ثالثا:
إن الاختبار الشخصي يزيد هذه المبادئ انغراسا ورسوخا في الذهن؛ فيتعلم المرء بنفسه من مبادئ الحق ما لم يعلمه.
رابعا:
التاريخ يمنح الأمم والأفراد فطنة للحق والصواب.
فجميع هذه العوامل تجعل الحق والصواب والجودة إلخ أمورا بديهية في الذهن؛ بحيث إن الضمير يصدر حكمه من غير تفكير في السبب. (4-4) مزكيات البديهة الضميرية
مع كل ذلك لا يندر أن تصطدم البديهة بالمتناقضات والمتضاربات، فماذا يفعل الضمير حينئذ؟ يلتمس تزكية الشريعة والإحساس العام لترجيح أحد المتناقضات على الآخر أو الأخر. والشريعة تزكي حكم الضمير لما توجبه من العقاب عند مخالفتها، والمزكيات خمس كما ذكرها مويرهد: (1) التزكية الطبيعية: وهي توقع الآلام الجسدية التي تنتج عند مخالفة الشرائع الطبيعية، كما لو أسرف الإنسان في إشباع شهواته. (2) التزكية السياسية: وهي توقع الآلام عند مخالفة القوانين كالسرقة والتزوير إلخ. (3) التزكية الاجتماعية: أي تزكية الرأي العام الذي يقتضي شجب مخالفه، أو الثناء على موافقه. (4) التزكية الدينية: وهي الخوف من عقاب الآخرة أو الرجاء بالثواب. (5) وقد أضاف مويرهد التزكية الأدبية الداخلية: وهي ارتياح النفس أو قلقها في طاعة الضمير أو عصيانه. ونحن نرى أن ارتياح النفس أو قلقها ليسا تزكية للحكم، بل هما تنفيذ للحكم.
ترى مما تقدم آنفا أن البديهة وحدها لا تكفي لإصدار الحكم السديد، وأنه كلما وقع الضمير في حيرة وجب أن يعود إلى التعقل . (5) التعقل الأدبي (5-1) مستند التعقل الأدبي
التعقل الأدبي كالتعقل الفكري يقوم بالمقايسة المنطقية، ويرتكز على قوة الاستدلال مستمدا مقدماته من الحقائق الأدبية، ولما كان يتعذر علينا أن نتعقل كل فعل أدبي أو تصرف بشري، ونجعله مبدأ قائما بذاته - لا يمكن ذلك لتعدد أنواع التصرفات تعددا لا يحصى - لم يكن بد من وضع قاعدة أدبية عامة تطبق عليها جميع الأفعال والتصرفات، بحيث إن المبادئ التي تسير بموجبها تكون مبادئ عامة يمكن أن يسير عليها الآخرون؛ فالمبدأ الأدبي هو ما يمكن تعميمه على سائر الأفراد بحيث يكون لخير الفرد ولا يثلم خير الآخرين؛ وبالتالي يكون لخير المجموع. (5-2) القاعدة الأدبية العامة ونظرية كنت
فالقاعدة الأدبية العامة إذن هي أن تفعل ما يوافق المجتمع أن يفعله الآخرون أيضا، وأن تمتنع عن الفعل الذي يوافق المجتمع أن لا يفعله الآخرون، وبعبارة أخرى: افعل «وامتنع عن فعل» ما ترى أن فعله، «أو الامتناع عن فعله» يصح أن يكون قاعدة عامة لجميع الأفراد على السواء، باعتبار أنك وإياهم شخصيات اجتماعية.
وقد حسب كنت
صفحة غير معروفة