تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين

كيليب إفريت ت. 1450 هجري
85

تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين

تصانيف

من الطاقم كان قد ذهب معه في رحلة «البيجل» السابقة، وكذلك كان يوجد عدد قليل من الضباط والبحارة وجنود البحرية، ممن قد عملوا على متن سفينة «أدفنتشر» أو «البيجل» خلال هذه البعثة بأكملها.

ويتحدث أبي عن الضباط بصفتهم مجموعة راقية من أولي العزم من الرجال، وهو يتحدث عن النقيب الأول ويكهام تحديدا، بصفته «رجلا جليلا». وإذ كان الأخير مسئولا عن ترتيب السفينة ومظهرها، فقد اعترض بشدة على إلقاء أبي للفضلات على ظهر السفينة، وكان يتحدث عن العينات بصفتها «أغراضا مؤذية ميتة بغيضة»، وكان يضيف: «لو أنني كنت القائد، لأخرجتك أنت وكل قمامتك الميتة من المكان في الحال.»

ثمة هالة من القداسة كانت تحيط بأبي لتناوله الطعام في مقصورة القبطان؛ لذا فقد كان الضباط المتدربون يتعاملون معه بطريقة رسمية في البداية ويخاطبونه ب «سيدي»، لكن هذا لم يحل دون تكوينه بسرعة لصداقات مع الضباط الأصغر سنا. لقد كتب تقريبا في عام 1861 أو عام 1862 إلى السيد بي جي كينج، عضو المجلس التشريعي لسيدني، والذي كان ضابط صف بحريا على متن «البيجل»، كما ذكرنا سابقا: «إن ذكرى الأيام الخوالي حينما كنا نجلس على عوارض صواري «البيجل» ونتحدث، ستجعلني دائما وحتى وفاتي، أشعر بالسعادة عندما أسمع بأخبار سعادتك وتقدمك في الحياة.» ويصف السيد كينج ما كان يبدو على أبي من استمتاع: «إذ يوضح لي، بصفتي شابا صغيرا، متعة الليالي الاستوائية ونسيمها المنعش الذي يحرك أشرعة السفينة من فوقنا، بينما يضيء البحر لمرور السفينة عبر ذلك التيار اللانهائي من الكائنات المجهرية ذات الوميض الفوسفوري.»

لقد كان يعتقد أن السبب في اعتلال صحته في السنوات الأخيرة يعود إلى ما عاناه كثيرا من دوار البحر، لكنه هو نفسه لم يكن يعتقد بصحة ذلك، وإنما كان يعزو السبب في اعتلال صحته إلى العيب الوراثي المتمثل في النقرس الذي ظهر في بعض الأجيال السابقة. ولست متأكدا تماما من مدى معاناته الفعلية من دوار البحر؛ فانطباعي الواضح أنه، وفقا لذاكرته، لم يعد يعاني من الدوار بعد الأسابيع الثلاثة الأولى، لكنه كان يشعر بعدم الارتياح باستمرار حين كانت السفينة ترتج بشدة. بالرغم من ذلك، يبدو لنا من خطاباته ومن شهادة بعض الضباط، أنه قد نسي في السنوات اللاحقة، مقدار ما كان يشعر به من تعب. إنه يكتب في 3 يونيو عام 1836 من رأس الرجاء الصالح ويقول: «إنه لمن حسن حظي أن الرحلة قد أوشكت أن تنتهي؛ إذ إنني قد أصبحت أعاني من دوار البحر الآن، بدرجة أكبر مما كنت أعاني منه قبل ثلاث سنوات.» وقد كتب الأميرال لورت ستوكس إلى جريدة «ذا تايمز» في 25 أبريل 1883:

هل لي أن أدلي بشهادتي المتواضعة عن التحمل والمثابرة المذهلين اللذين أبداهما في سبيل العلم عالم التاريخ الطبيعي العظيم هذا، صديقي القديم والفقيد السيد تشارلز داروين، الذي يجدر ببقاياه أن تكرم بدفنها في ويستمينستر آبي؟

ربما أكون أنا أفضل من يمكنه الإدلاء بشهادته عن تلك الجهود الأولى المضنية التي بذلها. لقد عملنا معا على مدى عدة أعوام على الطاولة نفسها في مقصورة الرسم في الجزء الخلفي لسفينة «البيجل» خلال رحلتها الشهيرة، فكان هو يفحص ما يوجد تحت مجهره، وأدرس أنا خرائطي. وغالبا ما كان هذا مكانا رائعا في تلك السفينة الصغيرة، لكنه كان مزعجا للغاية لصديقي القديم الذي كان يعاني بشدة من دوار البحر؛ فبعد ساعة من العمل تقريبا، كان يقول لي: «صديقي العزيز، لا بد لي أن أتخذ الوضع الأفقي.» فقد كان ذلك هو أفضل الأوضاع التي توفر الراحة للشخص من حركة السفينة. وحين كان يمدد جسمه على أحد جوانب الطاولة لبعض الوقت، كان يتمكن من مواصلة عمله لفترة من الوقت، ثم يكون عليه الاستلقاء مجددا.

لقد كان من المحزن أن أشهد هذه التضحية المبكرة بصحة السيد داروين، الذي ظل بعد ذلك يعاني من آثار المرض التي خلفتها رحلة «البيجل».

ويكتب السيد إيه بي أوزبورن: «لقد كان يعاني بشدة من دوار البحر، وفي بعض الأحيان عندما كان يحين دوري في المناوبة، كنت أخفض الأشرعة، مما يجعل حركة السفينة أكثر بطئا، ويخفف من حدة معاناته، كان يشهد لي بأنني «ضابط جيد»، ثم يتابع ملاحظاته المجهرية في مقصورة الرسم.» إن حجم العمل الذي أنجزه في رحلة «البيجل» يدل على أنه كان يتمتع في أغلب الأحيان بكامل نشاطه؛ غير أنه أصيب بمرض خطير في أمريكا الجنوبية، حين استضيف في منزل السيد كورفيلد، وهو رجل إنجليزي قد اعتنى به بكل رعاية وعطف. وقد سمعته يقول إن جميع إفرازات جسمه قد تأثرت في هذه النوبة المرضية، وحين وصف الأعراض إلى والده الدكتور داروين، لم يستطع أن يتوصل إلى طبيعة المرض. وقد كان أبي أحيانا يميل للاعتقاد بأن السبب في تدهور صحته يعود إلى هذه النوبة المرضية بدرجة ما.

إن خطابات رحلة «البيجل» تقدم دليلا كافيا على حب أبي القوي لبيته وجميع ما يتصل به، بداية من والده ووصولا إلى نانسي، مربيته القديمة التي كان يرسل لها تحياته أحيانا.

ويتضح سروره بكتابة خطابات إلى المنزل في بعض الفقرات مثل: «فقط لو أنكم تعرفون ما شعرت به من سرور شديد لا يمكن وصفه، حين عرفت بأن أبي وأنتم جميعا بخير، قبل أربعة شهور فقط، لما بخلتم بهذا الجهد المبذول في الحفاظ على التتابع المنتظم لسلسلة الخطابات فيما بيننا.»

صفحة غير معروفة