تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
تصانيف
نظرا لأن أدواتي تحتاج إلى التغيير، فلترسلي أغراضي عبر عربة بريد «ذي أوكسونين» في الليلة نفسها.
من تشارلز داروين إلى الآنسة سوزان داروين
لندن، صباح الجمعة، 9 سبتمبر، 1831
عزيزتي سوزان
لقد تسلمت الطرد لتوي. أعتقد أنه لم يصل أمس بسبب مراسم التتويج [تتويج ويليام الرابع]. إنني في غاية الامتنان لوالدي، وكذلك الجميع. لقد تم كل شيء بالطريقة الصحيحة. أظن أنه بحلول هذا الوقت تكونين قد تسلمت خطابي في اليوم التالي، وأتمنى أن ترسلي الأغراض. لا تزال أموري على ما هي عليه. يقول القبطان بوفورت إنني مدرج ضمن سجلات الطعام، وهو يعتقد أنني لن أواجه صعوبة بشأن مجموعاتي من العينات حين أعود إلى المنزل. لكنه شخص عميق للغاية ولا يمكنني سبر أغواره. إن الشيء الوحيد الذي يمنعني الآن من حسم أمري بصفة نهائية، هو أنني أحتاج إلى التأكد بشأن جزر بحر الجنوب، بالرغم من أنني أثق في شعوري بأننا سوف نذهب إلى هناك، سواء أكان ذلك ضمن التعليمات أم لا. ويقول القبطان فيتزروي إنني أفعل خيرا بالإلحاح على القبطان بوفورت؛ إذ إن ذلك يذكره ويحفزه. ويقول كذلك إنه واثق بأنه مهتم بالدرجة الكافية لأن يأمر بعودة السفينة من أي طريق يرغب فيه، حتى وهو بالخارج، (لا سيما إن كانت هذه الإدارة غير دائمة. إنني سوف أصبح مؤيدا لحزب المحافظين حين أعود!) ووفقا لما يقوله وود، فإنني أعتقد أن الدوق جرافتون والدوق ريتشموند، يهتمان لأمره. وبالمناسبة، لقد أسدى لي جمائل كثيرة، وأنا متأكد من أن تقديمه لي للقبطان فيتزروي قد جعله يميل إلى اصطحابي معه.
ولكي أشرح الأمور من البداية: كان القبطان فيتزروي يرغب في اصطحاب مختص بالتاريخ الطبيعي، ثم يبدو أنه قد انتابه الذعر فجأة من احتمالية أن يصطحب شخصا لا يعجبه على متن السفينة. وهو يعترف بأن خطابه إلى كامبريدج قد كان بغرض إحباط الخطة. لا أظن أننا سنتشاجر بشأن السياسة، بالرغم من أن وود (وذلك كما هو متوقع منه بصفته واحدا من أهل لندنديري) قد حذر فيتزروي كثيرا من أنني مؤيد لحزب الأحرار. كان القبطان فيتزروي في حضور عمي جوز، وقد قال: «والآن سيخبرك أصدقاؤك بأن القبطان هو أكثر المخلوقات قسوة على وجه الأرض. وأنا لا أعرف كيف يمكن لي أن أساعدك في هذه الحالة، إلا بأن أتمنى أن تجربني.» لكم تتغير الأمور! إنني أتمنى الآن بالفعل أن تطول الرحلة قبل أن تطأ أقدامنا اليابسة. إنني أشعر بدمي يجري باردا من الرهبة إزاء كل ما سيكون علي القيام به. الجميع يبدون على استعداد لمساعدتي، وترغب جمعية علم الحيوان في انضمامي لها بصفتي عضوا بالمراسلة. كل ذلك يمكنني تحقيقه وأنا لم أعبر خط الاستواء بعد. والأهم أنني تعرفت على صديق مهم للغاية، وهو السيد ياريل، وهو بائع كتب ومختص تاريخ طبيعي ممتاز. وهو يذهب معي إلى المتاجر ويساوم في الأسعار (لا يعني هذا أنني قد ابتعت شيئا بعد)؛ حاسبيني إن أنفقت ستين جنيها على المسدسات.
أمس كانت جميع المتاجر مغلقة؛ لذلك لم أستطع أن أفعل أي شيء، وقد تصرفت بقدر كبير من الطفولة حتى إنني دفعت جنيها وشلنا لكي أحصل على مقعد ممتاز لرؤية موكب التتويج، وقد كان جديرا بالرؤية دون شك. لقد كنت مندهشا من أن أي كمية من الذهب قد تجعل صفا من الناس يلتمعون. لقد كان الأمر أشبه بما يراه المرء في الكتب المصورة للمواكب الشرقية. بدا الملك بحال جيدة للغاية، ومحبوبا كذلك، غير أن الحماس كان طفيفا للغاية، حتى إنه لا يسعني سوى أن أفكر أنه لن يكون لدينا تتويج ملكي بعد خمسين عاما.
لقد استمتعت برؤية الحرس الملكي كثيرا؛ فهم رائعون للغاية، ومن الرائع أن تريهم وهم يفرقون الحشود. يعتقد المرء أنهم لا بد سيقتلون عشرين شخصا على الأقل، لكنهم لا يؤذون أي أحد فيما يبدو، وجل ما يفعلونه هو إخافة الناس ليس إلا؛ فمتى تكثف حشد في مكان واحد وكان من الصعب إزاحته عن الطريق، تقدم إلى هذا المكان أحد هؤلاء الرجال الذين يبلغ طول الواحد منهم ستة أقدام، على فرس أسود يأخذ في الصهيل عاليا جدا، ثم يهبط بقائميه في البقعة التي يتجمع بها أكبر عدد من الناس. وإنك ستتخيلين حينئذ أن المادة المصنوع منها البشر هي الإسفنج؛ إذ ترينهم يتضاءلون مبتعدين.
في المساء، كانت ثمة إضاءة أضخم كثيرا من تلك التي كانت موجودة عند الاحتفال المتعلق بقانون إصلاح نظام الانتخاب. وكانت الشوارع الرئيسية كلها مكتظة وكأنها فناء للسباق. وعامة كانت العربات تسير، ست في كل صف، بعضها بجوار بعض، وأكاد أجزم بأنها لا تسير بسرعة ميل في الساعة. لقد تعلم دوق نورثمبرلاند درسا في المرة الماضية؛ لقد كان منزله كبيرا للغاية، وهو أكبر منزل في منازل النبلاء، وكذلك أفضلها ذوقا؛ فقد كانت جميع النوافذ في هذا المنزل تمتلئ بخطوط مستقيمة من الأضواء اللامعة، وقد كان لها تأثير جميل نظرا لعددها وانتظامها الشديد. لقد كانت ندرة الابتكار أمرا لافتا للأنظار؛ فقد تكررت التيجان والمراسي وكذلك الحرفان
W. R.
صفحة غير معروفة