تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
تصانيف
أكتب الآن لأخبرك أنني كنت أتفحص بعضا من دجاجنا المهجن، ولا بد أن أذكر أن تلك «البالغة من العمر أسبوعا» ستفي جدا بالغرض. النقطة الرئيسية التي ظلت لسنوات، ولا تزال، تثير فضولي بشدة، هي التأكد إن كان «صغار» سلالاتنا الداجنة يختلف بعضها عن بعض كما يختلف آباؤها، وأنا لا أثق في أي شيء لا يثبته القياس الدقيق والقواعد الرياضية. أتمنى ألا أكون قد كلفت نفسي عناء كبيرا دون وجود دافع جدير بالتقدير، وأعتقد أن الأمر كذلك بالفعل. لدي طيور هزازة ونفاخة (طيور فاخرة، حسبما أرجو؛ فقد دفعت عشرين شلنا مقابل كل زوج من بايلي) في قفص كبير وبرج حمام، وإنها لمصدر تسلية مطلقة لي، وبهجة لهنرييتا.
أثناء خوض أبي مغامرة تربية الحمام ، تعرف بطبيعة الحال على الكثير من المربين، وكان شغوفا بأن يحكي عن تجاربه بصفته عضوا في نادي كولومبيريان ونادي فيلوبيريستيرا؛ حيث كان يلتقي بأشد المتحمسين لتلك «الهواية»، ويتعلم كثيرا من أسرار عالمهم. وحين كتب إلى السيد هكسلي بعد ذلك بعدة سنوات، اقتبس من كتاب حول «الحمام» للسيد جيه إيتون، ما يوضح ما يجب أن يتميز به المربي الجيد من «حرص شديد وقدرة على الملاحظة الحثيثة». «في دراسته [دراسة السيد إيتون]، التي تتناول «فقط» الحمام البهلواني اللوزي، وهو ضريب من الضرب القصير الوجه، الذي يشكل ضربا من الحمام البهلواني، مثلما هو ضرب من الحمام الجبلي، يقول: «ثمة بعض المربين الصغار البالغي الجشع، الذين يريدون الخمس الخواص جميعا مرة واحدة [أي النقاط الخمس المميزة التي يكون الاهتمام بها أساسا. تشارلز داروين]، وإنهم ينالون جزاءهم بعدم الحصول على شيء منها.» باختصار، إن الانتباه إلى «كل» مزايا الحمام البهلواني اللوزي يكاد يفوق العقل البشري!
حتى تكون مربيا جيدا، ولكي تنجح في تحسين أي سلالة، الحماس ضروري أكثر من أي شيء. لقد ربح السيد إيتون الكثير من الجوائز، فلتصغ لما يقول.
إذا أمكن للسادة النبلاء والأفاضل معرفة الكم الهائل من السلوى والمتعة الذي يأتي من الحمام البهلواني اللوزي، حين يبدءون في فهم خواصه، فأعتقد أنه سيكون من النادر أن تجد أحدهم دون أماكن لتربيته.»
كان أبي يهوى اقتباس هذه الفقرة، ودائما ما كان ذلك بنبرة تعاطف مع المؤلف، إلا أنه كان، بلا شك، قد نسي تعجبه حين كان طفلا من أن «كل الرجال الأفاضل لم يصيروا من المختصين في علم الطيور.» (ارجع للفصل الثاني).
كان أبي مدينا إلى السيد دبليو بي تيجيتماير، الكاتب المعروف في مجال الدواجن، إلخ، بالنصح والتعاون الدائمين؛ إذ بدأ التراسل بينهما في عام 1855، واستمر حتى 1881، حين كتب أبي إليه قائلا: «أؤكد لك أنني كثيرا ما أتذكر في سعادة الأيام الخوالي حين كنت أهتم بالحمام والطيور الداجنة، إلخ، وكنت تمدني بأفضل سبل العون. وإنني كثيرا ما أشعر بالأسف لضعف صحتي التي جعلتني لم أعد قادرا على الحفاظ على معارفي وأصدقائي القدامى.» تكاد تتكون كل خطابات أبي إلى السيد تيجيتماير من سلاسل من الأسئلة المتعلقة بالسلالات المختلفة من الطيور الداجنة والحمام، إلخ؛ ومن ثم، فهي ليست شائقة. وعند التمعن في قراءة مجموعة الخطابات هذه، تنتابك دهشة شديدة من اجتهاد الكاتب في بحثه عن الحقائق، ويتضح أنه كان يثق تماما في معلومات السيد تيجيتماير وحكمه ويقدرهما بشدة. وترد جمل متعددة، على غرار «ملحوظتك بمنزلة منجم ذهب بالنسبة لي» لتعبر عن تقديره لمساعدة السيد تيجيتماير، وهناك أيضا كلمات تعبر عن تقديره الصادق لحماسه السخي وفضله، أو «حبه الخالص والمنزه عن الأغراض للعلم». كذلك لاقت مساعدة السيد تيجيتماير في موضوع النحل وأقراص العسل تقدير أبي، حيث كتب مفصحا: «كان بحثك حول «خلايا النحل»، الذي قرئ أمام الجمعية البريطانية، مفيدا وملهما بشدة بالنسبة لي.»
من أجل حل مشكلات التوزيع الجغرافي للحيوانات والنباتات على أسس تطورية، كان على أبي أن يدرس الوسائل التي يمكن من خلالها نقل البذور والبيض، إلخ، عبر مسافات شاسعة من المحيط. كانت هذه الحاجة هي التي جعلته يهتم بنوع التجارب التي تشير إليها الخطابات التالية.]
من تشارلز داروين إلى دبليو دي فوكس
داون، 17 مايو [1855]
عزيزي فوكس
صفحة غير معروفة