تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
تصانيف
إنني أتمنى أن تكتب إلي (ستجدني في «إتش إم إس «البيجل»، محطة أمريكا الجنوبية»). سأحب كثيرا أن أسمع عن أحوالك الجسدية والذهنية. من يدري (الله هو من يعرف إن كان ذلك صحيحا؛ فالناس لا يعرفون إلا القليل بالفعل) إذا لم تكن متزوجا، وربما ترعى، كما تقول الآنسة أوستن، القليل من أغصان الزيتون، وبعض الوعود بتبادل العاطفة. ويحي! ويحي! إن ذلك يذكرني بتصوراتي السابقة عن المستقبل، والتي كنت أتخيل فيها أنني أرى التقاعد والأكواخ الخضراء والبنات الغيد. إنني لا أعرف ماذا سيحل بي بعد ذلك؛ إنني أشعر بأنني رجل محطم لا يعرف كيف ينتشل نفسه ولا يهتم بذلك. إن المنطق يخبرني بأنه لا بد لهذه الرحلة من نهاية، لكنني لا أستطيع أن أرى نهايتها. ومن المحال ألا يأسف المرء بمرارة على الأصدقاء وغير ذلك من مصادر البهجة التي تركها في إنجلترا، وبدلا منها يوجد الكثير من المتعة الشديدة، بعضها في الوقت الحاضر، لكن الأكثر منها في المستقبل، وذلك حين يمكن النظر إلى بعض الأفكار التي توصلت إليها في الرحلة على أنها أفكار جديدة. إن اهتمامي بالجيولوجيا لا ينضب؛ فهي كما قيل عنها من قبل، تشكل أفكارا عامة عن هذا العالم، وذلك كما يفعل علم الفلك مع الكون. لقد رأينا الكثير من المناظر الطبيعية الجميلة، مثل تلك الخاصة بالغابات الاستوائية والتي تفوق في تألقها وثرائها لغة هومبولت في الوصف. ربما لن يتمكن من وصفها إلا كاتب فارسي، وإن نجح في ذلك، فسوف يطلق عليه في لندن لقب «الأب الروحي لجميع الكاذبين».
إنني لم أر شيئا قد أدهشني تماما أكثر من رؤيتي لهمجي لأول مرة. لقد كان همجيا عاريا من أهل فويجو، وكان شعره الطويل يطير في الهواء، وقد لطخ وجهه بالطلاء. إنني أعتقد أن في سيمائهم تعبيرا يبدو جامحا بنحو لا يصدق لمن لم يروه من قبل. كان يقف على صخرة بينما يردد بعض النغمات ويقوم ببعض الإيماءات، والتي أجد أن صرخات الحيوانات الأليفة مفهومة أكثر منها بدرجة كبيرة.
حين أعود إلى إنجلترا، لا بد أن ترشدني فيما يتعلق بالفنون. ما زلت أتذكر أنه كان هناك رجل يدعى رافايل سانكتس. كم سيكون ممتعا أن نرى لوحة فينوس لتيتيان مرة أخرى في متحف فيتسويليام. وكم سيكون رائعا للغاية أن نذهب إلى حفلة موسيقية جيدة أو أوبرا راقية. إن هذه الذكريات لن تجديني نفعا؛ فلن أتمكن غدا من إخراج أحشاء حيوان صغير وليس لدي سوى نصف مقدار إقبالي المعتاد. أرجو أن تخبرني ببعض الأخبار عن كاميرون وواتكينز وماريندين وتومسوني ترينيتي ولو وهيفيسايد وماثيو. لقد سمعت من هربرت. وكيف هي أحوال هنزلو؟ وجميع الأصدقاء الآخرين في كامبريدج العزيزة؟ إنني أفكر كثيرا وكثيرا في هذه الأوقات الماضية، والتي قد قضيت العديد منها معك. إن مثل هذه الأوقات لا يمكن أن تعود، لكن ذكرياتها لا يمكن أن تموت أيضا .
فليباركك الرب يا عزيزي ويتلي.
خالص المودة إليك من صديقك المخلص
تشاز داروين
من تشارلز داروين إلى الآنسة سي داروين
بالبارايسو، 8 نوفمبر، 1834
عزيزتي كاثرين
لقد كان خطابي الأخير كئيبا بعض الشيء؛ إذ إنني لم أكن بخير حال حين كتبته. أما الآن، فكل شيء مشرق كالشمس. لقد أصبحت بخير ثانية الآن بعد أن مرضت للمرة الثانية خلال أسبوعين. لقد كان القبطان فيتزروي كريما معي للغاية؛ إذ أخر السفينة عشرة أيام من أجلي، ولم يخبرني بالسبب حينها.
صفحة غير معروفة