عزة بنت الخليفة
عزة بنت الخليفة
عزة بنت الخليفة
عزة بنت الخليفة
رواية تمثيلية ذات فصل واحد
تعريب
إبراهيم رمزي
عزة بنت الخليفة
أشخاص الرواية
الخليفة الحافظ الفاطمي:
صفحة غير معروفة
سن 60.
الفارس نعمان:
سن 35.
ابن يحيى الطبيب:
سن 65.
الأمير سيف الدين زنكي:
سن 20.
الشاعر عمارة اليمني:
سن 25.
الشيخ منصور الحارس:
صفحة غير معروفة
سن 60.
الأميرة عزة:
سن 16.
عائشة الحارسة:
سن 45.
المنظر
بين جبال المقطم عند بركة الحبش شرقي مصر القديمة.
بيت خفي في بستان.
الوقت
ما بين العصر والغروب وزمن التمثيل ساعة.
صفحة غير معروفة
معدات التمثيل الجوهرية:
قرطاس، خاتم، كنانتان وأسهم ونشاب، تميمة على شكل عقد، ورد أحمر وورد أبيض، إبريق عربي للشراب، وأكواب من فضة، وصحفة من فضة يوضع فيها عنب وفاكهة صيف.
الملابس:
عربية، والسيوف عربية، ويلاحظ أن يكون سيف الخليفة مجوهرا، لحية الخليفة والطبيب والحارس وخطها الشيب، ولحية الفارس نعمان سوداء، أما لحية سيف الدين فعذار أصفر، وأما لحية عمارة فسوداء قصيرة.
عمامة سيف الدين صغيرة ملونة وجبته كذلك. •••
لما مثلت لثاني مرة في الأوبرا في ثوبها العربي حضرها المغفور له السلطان حسين كامل، وهي المرة الوحيدة التي شهد فيها التمثيل في أيام حكمه. وكانت السيدة ماري إبراهيم في دور عزة فبلغت أرقى ما وصل إليه التمثيل في مصر، وكان المرحوم محمد بك تيمور الشاعر والكاتب الروائي بعدئذ في دور سيف الدين، والأستاذ محمد عبد القدوس في دور عمارة اليمني، والأستاذ حسين فتوح في دور ابن يحيى.
المنظر
إلى يمين المسرح بالنسبة للممثل منزل ذو طبقة واحدة مغطى بالورود وأوراقه، وعلى نوافذه ستائر عربية، وفي مؤخر المنزل حديقة ترفل في أبهى حلل الزروع الصيفية، وبالقرب من الأمام على الجانبين نخيل طويل، ووراء الحديقة أرض صخرية غشيتها شجيرات متكاثفة، وفي وسط الجزء الأيمن منها باب خفي نبت عليه العشب وأخفته أحجار كبيرة حتى لا يرى إلا إذا فتح، ويرى في المؤخرة على مسافات بعيدة جبال عالية وأكمات كبيرة هي جبال المقطم، وهناك منضد بالقرب من الأمام إلى جانب المسرح. (يسمع صفير ثلاث مرات، يخرج الحارس منصور العربي من المنزل من جهة اليمين ويتكلم بصوت خافت.)
منصور :
إني أسمع صفير قادم، لا شك أنه رسول من عند الخليفة (يذهب إلى الباب السري في منتصف الجزء الأيسر ويفتحه ويدخل الأمير نعمان، ولكن يبقيه منصور بجوار المدخل ويمنعه من التقدم) .
صفحة غير معروفة
الأمير نعمان! أأنت القادم؟ لا روع، ولكن قف لا تتقدم. إنه غير مرخص بالدخول لأحد ههنا.
نعمان :
إلا لي على الأقل، إنني أخلص خلصاء الخليفة.
منصور :
أعرف ذلك، ولكني لا أملك الإذن لك؛ إذ لا يدخل هنا إنسان. إنك خدعتني، سمعت صفيرك فما شككت في أن القادم ابن يحيى لا أنت.
نعمان :
إن ابن يحيى مع الخليفة، كذلك أمرني أن أخبرك. هذا خاتمه وهذا خطاب منه إليك. (يأخذهما منصور منه.)
منصور :
خاتم الخليفة! أجل إنه هو، وهذا خطه بعينه. (يقرؤه) «دع الأمير نعمان ينتظرني وإذا سألك عن شيء فأجبه، إنه من أمرائنا المخلصين». ها، هذا شيء آخر يا سيدي الفارس، فلا يسوءك حرصي، إذا كنت تعرف سر هذه العزبة، فإنك تعرف أيضا أن الحرص واجب.
نعمان :
صفحة غير معروفة
أنا أعرف سر هذه العزبة، إني لي ذلك، أجل إن إرادة الخليفة طوحت بي بين وديان المقطم الموحشة ودروب بركة الحبش المقفرة، حتى بلغت هذا الباب، ولكني لا أعرف ما وراءه، إني ليدهشني ما أرى، أجد بعد ذلك السرداب الضيق الذي اجتزته جنة وفردوسا، بل ما هذا الذي أرى أيضا، منزلا كريما؟! كل شيء بديع جميل، بالله خبرني ما سر هذا؟
منصور (بلهجة الشاك) :
ألم يخبرك الخليفة عنه شيئا؟
نعمان :
كلا.
منصور :
يسوءني ذلك، فإني لا أستطيع أن أفيدك فوق ما أفادك الخليفة شيئا.
نعمان :
بالله يا منصور.
منصور :
صفحة غير معروفة
كلا، لا تحاول حملي على خيانة مولاي.
عائشة (تدخل عائشة من المنزل يمينا) :
من ذا تخاطب يا منصور؟ (تلتفت)
الأمير نعمان! أنت هنا يا سيدي؟
منصور :
لقد عرف علامة الدخول وجاء بخاتم الخليفة ففتحت له الباب ولكنه لا يعرف بعد ذلك شيئا، كل ما يرى غريب لديه، فالواجب إذن أن يعود من حيث أتى.
نعمان :
أعود من حيث أتيت وقد أرسلني الخليفة؟!
منصور :
أجل. (يقبض على ذراعه بلطف):
صفحة غير معروفة
تفضل بالانصراف.
عائشة :
مهلا يا منصور، دعنا نتكلم. (إلى نعمان):
في أي أمر جئت يا سيدي الفارس؟
نعمان :
جئت أقول لكما إن الخليفة آت هو والطبيب الأندلسي ابن يحيى بعد ساعة أو تزيد قليلا.
عائشة :
إني أعرف هذا الطبيب، رجل وقور وعالم خبير.
نعمان :
إنه آت مع الخليفة، وقد قال لي كلمات لم أفهم مدلولها ولكني حفظت بعضها عن ظهر قلب، قال: إنكما ولياه عليها فأعدا كل شيء كما أمر الطبيب.
صفحة غير معروفة
عائشة :
أهذا كل ما سمعت منه؟
نعمان :
كلا، ولكني لم أفهم، فقد كان قوله لي لغزا لا يحل. (وقف مفكرا غارقا في تأمله ثم قال) : اذكر أيها الفارس أنني أثق بك وأعتمد على مروءتك، ستجد ابنتي حيث أرسلك، فبالله خبريني أية ابنة هذي؟ إن سعاد كما نعلم في القصر وعزة ...
عائشة (تقاطعه) :
هنا.
نعمان :
في جبل المقطم! إنها في العباسة عند عمتها منذ طفولتها.
عائشة :
كلا يا سيدي الفارس، إن عزة ههنا.
صفحة غير معروفة
نعمان :
إذن ففي الأمر سر.
عائشة :
نعم.
نعمان :
هل لك أن تخبريني به؟
منصور :
تلك مشيئة الخليفة يا عائشة، فلأخبرك أنا، ليس يخفى عنك ما بين الخليفة الحافظ والملك العادل نور الدين زنكي صاحب الشام من الجفاء القديم والنفار الشديد.
نعمان :
أعرف ذلك حق المعرفة ولكنه انتهى بوساطة وزيره ابن الأفضل، إذ خطبت الأميرة عزة وهي وليدة عامها للأمير سيف الدين ابن أخيه ملك الشام.
صفحة غير معروفة
منصور :
نرجو الله أن تكون العاقبة كذلك، ولكن شبت لسوء الحظ في تلك الليلة التي عقدت فيها الخطبة وتم فيها الصلح نار التهمت المنظرة التي كانت فيها، وكانت الأميرة عزة إذ ذاك في مهدها فحف اللهب من حولها حتى كاد يقضي عليها، فلكي ينقذوها قذفوا بها من نافذة المنظرة عسى أن يتلقفها ديار، ولكنها سقطت على ثرى هيار فنجت غير أنها فقدت بصرها، أمن الذعر هو أم من سقوطها على ناصيتها؟ لا ندري.
نعمان :
فقدت بصرها؟!
عائشة :
أجل، واحسرتاه! عرفت يا سيدي سر حزننا وأسى أبيها؟ طفلة وعت كل معاني الحسن وجمعت كل آيات الجمال وهي غارقة في ظلام ليس بعده ظلام.
نعمان :
يا لله!
منصور :
ذهبت الآمال التي علقت على بصرها أدراج الرياح، ونخشى أن تعود شرة النفرة بين الملك العادل وبين خليفتنا الحافظ كما كانت، بل لتبلغن أشدها وأنكاها، فإن ابن أخيه لا يرضى بعمياء عروسا له، وقد يرى أبوه وعمه أن الصلح إنما كان خداعا وأن الفتاة كانت عمياء يوم خطبت.
صفحة غير معروفة
نعمان :
فكيف كان تدبير الخليفة؟
منصور :
أولا أن يخفي عن الناس أنها عمياء، وقد كان هذا الأمر هينا وهي طفلة، ثم استدعى الخليفة من قرطبة طبيبها المشهور ابن يحيى، فلما فحص عن أمرها جاد لنا بنصائحه وأوصانا بما يجب علينا لتدبير أمر الأميرة ومعالجتها، ثم طالع نجمها فتبينه.
نعمان :
وبعد ذلك؟
منصور :
وبعد ذلك بدل يأسنا أملا ورجاء بقوله: إنها إذا بلغت السادسة عشرة من العمر عادت أعصابها إلى ما كانت عليه من سلامة المزاج واستطاعت أن تبصر نور السماء، واليوم تكمل الأميرة سنتها السادسة عشرة، وها هو ابن يحيى ذا في القصر مع الخليفة، ولكن بلغنا أنه يقول إن الوقت لم يحن بعد ولا يدري إلا الله متى يحين.
نعمان (بعد هنيهة من التفكير) :
مسكينة هذه الأميرة! كيف تحتمل مصابها؟
صفحة غير معروفة
عائشة :
إنها لا تعرف أنها عمياء يا سيدي.
نعمان :
لا تعرف أنها عمياء! أجد هذا أم مزاح؟
عائشة :
بل حق لا شبهة فيه، وستعرف ذلك أنت بنفسك، ولكني أوصيك أيها الفارس أن لا تتفوه أمامها بكلمة تشير إلى نظرها المفقود، بل احذر ذلك كما حذره كل من جاء من قبلك ههنا، فلا تشر إلى ما لا يعرف إلا بالبصر، ولا تذكر أمامها بياض النهار ولا جمال الضحى ولا وضح القمر، ولا يأت على لسانك ذكر النجوم فإن ليلها لا يطلع نجما ولا يسقط شهابا.
نعمان :
أهذا إذن سبب اعتزالكم العالم بها في جبل المقطم وبعدكم بها عن مجالس الناس؟
منصور :
هو كذلك يا سيدي، ولكنها تعرف كل ناحية في هذا المكان، تروح وتجيء لا يقودها إنسان، وتراها فلا تحسب أنها لا ترى، فقد ظلت عينها حوراء دعجاء توحي آيات السحر كأنها مبصرة، وهي جهراء تخيط بإبرتها وتزرع حديقتها بيديها، وهي هاشة باشة كأنما خلقت كذلك.
صفحة غير معروفة
نعمان :
مسكينة هذه الأميرة! أهي تظن إذ أنتما معها بعيدين عن العالم أن هذا الوادي هو الدنيا كلها ليس وراءه شيء؟
عائشة :
ليست عزة في عزلة كما تظن، فإن وراء هذي الجبال ديرا يجيئها الراهبات منه يقضين معها ساعات طويلة فيسلينها ثم يعدن.
نعمان :
أين هي الآن؟
عائشة :
نائمة.
نعمان :
في هذه الساعة من النهار؟!
صفحة غير معروفة
منصور :
إنها لا تنام في اليوم إلا ساعة، ولكنها ليست ساعة نوم فطرية لطيفة، فإن ابن يحيى يغمض عينيها في أي وقت أراد بصلة سرية وإشارات غريبة، ثم يضع على صدرها طلسما له عليها صولة عظيمة، وما دام الطلسم على صدرها فهي لا تفيق، فأما إذا نزع فهي تفيق على الفور.
عائشة (هنا يسمع صوت بوق) :
هذا نفير الخليفة، إنه قادم (يخرج منصور من الباب السري) .
نعمان :
أيطرق الخليفة هذا المكان كثيرا؟
عائشة :
عندما ينزل المنظرة التي ابتناها جده على بركة الحبش نراه من آن لآن، ولكن إذا عاقه العمل ولا سيما في مثل هذه الأيام التي انتقض فيها ملك صقلية انقضت شهور لا يزورنا فيها مرة.
نعمان :
أتعرف عزة أن أباها هو الخليفة؟
صفحة غير معروفة
عائشة :
لا يا سيدي، تدعوه يا أبي وكفى، وقد سألته مرة عن اسمه فقال: عبد المجيد، اسم إمارته، ولا تعرف من أمره شيئا سوى أنه شاعر عظيم.
نعمان :
أتى الخليفة (يدخل الخليفة وابن يحيى ومنصور من الباب السري) .
الخليفة :
كيف حال عزة يا عائشة؟
عائشة (تقبل فضل كمه) :
على ما تروم لها يا مولاي.
الخليفة :
أوعيت كل ما أوصاك به نعمان؟
صفحة غير معروفة
عائشة :
أجل يا مولاي.
الخليفة :
أعملت به؟
عائشة :
أجل يا مولاي.
الخليفة :
هل كنت تضعين العصابة كل يوم على عيني عزة؟
عائشة :
أجل يا مولاي.
صفحة غير معروفة
الخليفة :
تقدم إذن يا ابن يحيى وانظر ماذا فعلت حكمتك وطبك، ادخل إلى عزة، واتبعه يا منصور أنت وعائشة وكونا على استعداد لما يحتاج إليه من المعونة. (يخرج ابن يحيى يتبعه منصور وعائشة إلى المنزل.)
الخليفة (في المنتصف) :
ألم يأخذك العجب يا نعمان إذ رأيت هذا الوادي الهادئ الجميل؟ ألا يشبه فردوسا صغيرا؟
نعمان :
كأني به وادي السلام والحسن يا مولاي.
الخليفة :
ليت الله من علي فقدر لي أن أعيش هنا بين كل ما أجل في هذه الدنيا: العلم، والفلسفة، وجمال الفطرة. لو أراد الله لي ذلك لنزلت راضيا عما عداه، فتركت ملك مصر وصرفت ذلك العداء الشديد الذي يضمره ملك الشام.
نعمان :
لقد انتهى هذا العداء يا مولاي والحمد لله، وعما قريب يأتي إليك ابن أخيه الأمير سيف الدين وفاء بوعده لك ويرجع كل شيء إلى سعادة دائمة وخير مقيم.
صفحة غير معروفة
الخليفة :
أرجو الله أن يحقق ذلك! صه، إني أسمعهم يتكلمون، ابن يحيى قد أيقظها، (يذهب نحو باب المنزل)
ها قد شرعت جفونها. اسمع، ها هي ذي تتكلم، ولكن كأنما هي في منام. انظر، إنه يحدق بعينيها، والآن يضع على صدرها تلك التميمة الساحرة. انظر، ها هي ذي تعود إلى السبات، قد نامت.
نعمان :
هذا عجيب جدا!
الخليفة :
وأي عجب! إن لهذا الطبيب الأندلسي قوة خفية تنزل الذعر بالقلوب. ها هو ذا عائد فدعنا الآن أيها الفارس، ولكن اذهب أولا إلى المنظرة، إني باق هنا، فإذا جاءت رسالة من سيف الدين فأسرع بها إلي. أتذكر علامة السر؟
نعمان :
أجل يا مولاي. (يخرج من الباب السري) . (يلتفت إلى ابن يحيى وقد عاد وحده) .
الخليفة :
صفحة غير معروفة
علك عائد يا ابن يحيى كما تعود الورقاء بغصن الأمل المورق؟ ولكن طلعتك جادة خافية كطبك فلا أستطيع التكهن بخفاياها، تكلم، ما وراءك؟
ابن يحيى :
ما ورائي إلا الأمل والرجاء إن شاء الله.
الخليفة (في منتصف اليمين) :
أحق هذا؟ خبرني بالله ما دعامته وما تدبيرك العتيد؟ ماذا شاهدت؟ إنك تعرف كيف تعز العين على الإنسان فعدني أن لا تقرب المشرط من عيني ابنتي عزة، وأن لا تشوه جمال ذلك الوجه الصبيح.
ابن يحيى :
اطمئن أيها الخليفة، إن علم الجراح لا يجدي في هذه الحالة.
الخليفة :
فما تدبيرك إذن؟
ابن يحيى :
صفحة غير معروفة