55

عزيزة ويونس

تصانيف

وطالت فترة تدريب الفرسان الثلاثة التي ترك أبو زيد مهامها لمعلمه - كما يدعي - أبي القمصان أفضل عياري عصره، قائلا في نفسه مغالبا بدوره ضحكة إلى حد انحباس أنفاسه: أعطنا فرصة يا أبا القمصان!

كان أبو زيد يعرف في أبي القمصان تعطشه الجنوني إلى حد الإغراق للعظمة والسلطة والتسلط، وها هي الفرصة قد حانت وسنحت وخلا الجو لأبي القمصان ليفرح ...

وقطع صوت أبي القمصان مزمجرا حبل أفكار وتداعيات أبي زيد: من يضحك مكانه غياهب السجون وزنزاناتها، وقد تكون بأرض الشام وبلاد السرو وغياهب سجون صعيد مصر.

ومضى كمن يخطب مشرفا من أعلى درجات سلالمه - التي فيها قتل الزير سالم ودفن بالعرابة المدفونة - مشيرا بعظمة: لا تنسوا زيارتها.

إلى أن جاءت «بروفات» الإيماء والتمثيل والتقمص والغناء و«الحدى» والإنشاد الجماعي والعزف الموسيقي، التي تناولها أبو القمصان كلها معدلا هنا وهناك إلى أن هب فجأة مصرحا: ناقصكم من يرقص!

وضحك الجميع حتى أبو زيد الذي استلقى على قفاه مرحا مسترخيا كعادته حين يضحك حقا وليس زيفا وتقمصا من أعماقه: كملت يا أبا القمصان؟

واصل أبو القمصان ملاحظاته مصرا: غازية!

قارب أبو زيد مسرا في أذنه مسرعا كما لو كان يملي شفرة سرية، سمع منها الفتيان بضع كلمات متناثرة منها: «مي» الحزينة الهلالية والأميرة الأعجمية «شاه الريم»، وكيف أن «مي» هذه ابنة الأمير «مفرج» الهلالي، تعمل عند شاه الريم كمغنيتها الأثيرة التي عمت شهرتها كل مكان.

ووصل اندهاش الفتيان الهلاليين مداه وهم في شبه إغفاءة قبل استئناف المسير مع الفجر الذي بدت بوادر إشراقه على السفوح والتلال المحيطة، حين ذكر أبو القمصان لأبي زيد عنوان تلك المغنية الهلالية «مي»: ثمانية غرب حلب الشهباء.

ومرة أخرى وصل تطاول أبي القمصان إلى حد الصعود على سطح البناية مصدرا تعليماته حالما امتطى أبو زيد والشباب جيادهم تمهيدا لبدء رحلتهم بأحمالهم: وحذار من حسان وجميلات تونس وعزيزة.

صفحة غير معروفة