كانت هذه إذن صورة وباء نمطية عن وباء شرس اجتاح المقاطعات. كان الطاعون قد تفشى من قبل في بعض البلدات الأكبر في الشرق مثل نيوكاسل ودرم، على أن بلدات السوق الأصغر في الغالب لم تتعرض لرعب الطاعون إلا نادرا.
فحصنا الكثير من الأوبئة في الأقاليم باستخدام السجلات المعاصرة للأبرشيات، وتدريجيا صرنا أكثر دراية بالطاعون، وجمعنا الأدلة:
غالبا كان تسجل نوبة تفشي الطاعون في سجل الدفن على أنه بدأ عن طريق مسافر أو غريب أو أحد قاطني المدينة الذي كان قد عاد من مكان كان معروفا باشتداد الطاعون فيه. من الواضح أن هؤلاء الأشخاص أصيبوا بالعدوى في مكان آخر. على سبيل المثال، تذكر سجلات بلدة السوق أوندل بمقاطعة نورثانتس أن الوباء الذي بدأ عام 1625 كان قد وصل عن طريق ابنة ويليام آبلز «التي انحدرت من لندن» (حيث كان الوباء ثائرا) لزيارة والدها ولقيت حتفها في الرابع عشر من يوليو، وكان برفقتها ابنتها التي وافتها المنية بعدها بتسعة أيام.
كان الطاعون عدوى انتهازية وقد سلك في الأساس نفس الطريقة في كل نوبة تفش.
لكننا أدركنا نوعين من الوباء مختلفين تماما في إنجلترا، يحكمهما الحجم والكثافة السكانية: - أولا: لم ينجح الطاعون مطلقا في القرى والأبرشيات المتفرقة. لم تكن العدوى تنتشر لمسافة بعيدة قط، مع أنها كانت تطيح بعائلات بأكملها إذا وجدت لها موطئ قدم في أحد المنازل. مع أن الطاعون ربما يكون قد كشر عن أنيابه لبضعة أشهر، فإن معدل الوفيات كان منخفضا دائما. الأرجح أن الكتلة الحرجة للوباء كانت تبلغ نحو 1000 ساكن. - ثانيا: في البلدات الأكبر حيث كان يتكتل عدد كاف من السكان معا، كان الوباء ينفجر في أشهر الصيف، وكان دائما ما ينتشر ببطء في البداية إلا أنه كان يزداد زخما بالتدريج.
كانت هذه الأوبئة المكتملة الأطوار التي تعكس ملامح الطواعين الكبيرة تدوم لثمانية أو تسعة أشهر، من الربيع حتى شهر ديسمبر.
كان معدل الوفيات مرعبا - في الغالب نحو 40٪ من السكان - مع أنه ليس لدينا وسيلة لحصر عدد الأشخاص الذين كانوا قد ولوا الأدبار لدى رؤية الأمارات الأولى على الاضطرابات.
كان المرض يشق طريقه في الشتاء بصعوبة، فالوباء الذي كان يبدأ في الخريف كان يسير بخطى متعثرة وغالبا ما كان يخمد تماما في الشتاء، الأمر الذي كان يخفف معاناة الأفراد دون شك.
حالما يوطد الوباء قدميه، كان المواطنون ينفذون الأوامر المتبعة إبان الطاعون، مع أن هذا كان يحدث فارقا طفيفا في النتائج.
كان معدل انتقال العدوى هائلا، فعلى سبيل المثال: كانت تقطع مسافة تزيد عن المائة والخمسين ميلا (240 كيلومترا) في نحو ستة أسابيع في نوبة الوباء في شمال غرب إنجلترا، وكانت العدوى تواصل زحفها بلا هوادة، ضاربة على نحو انتهازي في أي مكان يمكن أن توطد قدميها فيه.
صفحة غير معروفة