لدينا الآن فئة عامة يمكننا أن نضع فيها المتهم، لكن هل بمقدورنا أن نقلص هذه الفئة أكثر بإلقاء نظرة على الأعراض التي ظهرت على الضحايا؟
تتفق أوصاف أعراض الطاعون الأحدث في القرن السابع عشر مع الروايات السابقة من الموجة الأولى للوباء. عادة ما كانت الأعراض تظهر على الضحية لمدة حوالي 5 أيام قبيل الموت، مع أنه من قراءة الروايات المعاصرة خلصنا إلى أن هذه الفترة كان يمكن أن تتراوح ما بين يومين واثني عشر يوما. غير أننا عثرنا على تقرير واحد استثنائي عن إحدى الضحايا في لندن استمرت هذه الفترة معها عشرين يوما.
كانت العلامة التشخصية الرئيسية هي ظهور البقع النزفية، حمراء اللون في الغالب، لكن لونها كان يتباين من الأزرق إلى الأرجواني ومن البرتقالي إلى الأسود، وغالبا ما كانت تظهر على الصدر، لكنها كانت ترى أيضا على الحلق والذراعين والساقين، وكانت تنشأ نتيجة حدوث نزف تحت الجلد ناتج بدوره عن تلف الشعيرات الدموية. كانت هذه البقع هي التي يطلق عليها «أمارات الرب»، وقد كتب الصيدلي دكتور هودجز يقول:
كانت العلامة التي يخشاها الناس أكثر ما يخشون هي تلك التي أطلقوا عليها «الأمارات». اعتبرها المتدينون والذين يؤمنون بالخرافات على حد سواء أنها «أمارات الرب»، أما «المنكرون لوجود الله فكانوا خائفين من الأمارات». أطلق عليها البعض «تحذيرات الرب»؛ فقد كانت تقريبا النذر المؤكدة بالموت. بناء على الملاحظة الطبية، فإن قلة قليلة جدا ممن كانت تظهر عليهم هذه العلامات تعافوا. كانت «الأمارات» بقعا فوق الجلد، تنتشر بأعداد كبيرة، وتتنوع في ألوانها وأشكالها وأحجامها. والبعض منها، حين كانت تلتحم معا، تصبح في عرض ظفر إصبع اليد، والبعض الآخر كان صغيرا في حجم رأس الدبوس، إلى أن تتضخم وتنتشر. قد يكون لونها أحمر وتحيط بها هالات تميل إلى الزرقة، وفي أشخاص آخرين، يكون لونها أزرق باهتا وتميل الهالات إلى السواد، فيما كانت بقع أخرى تأخذ درجة اللون البني القاتم. في الغالب تظهر البقع على اللحم البشري حتى عندما لا يكون هناك لون على الجلد من الخارج؛ فلم تكن هناك بقعة من الجسم حصينة ضد هذه البقع المستديرة، وإن كانت الرقبة والصدر والظهر والأفخاذ هي الأماكن الأكثر شيوعا لها. وفي بعض الأحيان، كانت «الأمارات» شديدة الغزارة لدرجة أنها كانت تغطي الجسم بأكمله.
أما دانييل ديفو، فقد كتب يقول:
لم يكن كثير من الأشخاص يدركون أنهم مصابون إلى أن يجدوا الأمارات تظهر عليهم مما كان يثير ذهولهم غير القابل للوصف، وقلما عاشوا بعدها لأكثر من 6 ساعات؛ لأن هذه البقع التي يطلقون عليها الأمارات كانت مصابة بالغنغرينة الشديدة، أو كان اللحم فيها نخرا، تنتظم في عقد صغيرة في عرض البنس الفضي الصغير وصلبة في صلابة الثفنة (بقعة من البشرة يكون الجلد فيها صلبا وسميكا) ... لم يكن هناك شيء يمكن تتبعه سوى الموت المحقق.
في عام 1665 وصف دكتور هودجز أيضا «حالة خادمة لم يكن لديها أدنى فكرة عن أنها مصابة بالطاعون؛ فنبضها سليم وحواسها في أتم عافية، ولم تكن قد اشتكت من أي اضطراب أو ألم، إلا أنه بفحص صدرها، اكتشفت الأمارات هناك، وفي غضون ساعتين أو ثلاث ساعات كانت قد وافتها المنية. في بعض الأحيان كانت الأمارات تظهر أول ما تظهر بعد الموت.» ويذكر أن من أغرب ما رآه على مدار تجربته مع الطاعون، أن أشخاصا كثيرين قد خرجوا من هذيانهم بمجرد ظهور «الأمارات»، ظنا منهم أنهم يتعافون وفي حالة موحية بالأمل. لم يدرك المرضى المساكين أن موتهم محقق.
كانت أيضا الأورام المتنوعة من سمات المرض: تضمنت هذه الخراريج والقروح والدبل التي كانت عبارة عن تورم الغدد الليمفاوية في الرقبة وتحت الإبطين وأعلى الفخذ. في القرن السابع عشر، كانت الحالات التي لم يظهر فيها الدبل تعتبر الأخطر. أورد دكتور هودجز أنه إذا لم ينشق الورم بالشكل الطبيعي، كان الجراح يشقه. «لسوء الحظ كان دبل الطاعون مصحوبا بمثل تلك الآلام الحادة، والإحساس بالتهاب غير محتمل يعادل ذلك الذي يحدث وقت اقتراب حدوث التقيح، حتى إن المرضى كان يجن جنونهم.» وكانت عمليتا الشق (التي تجرى دون تخدير بالطبع) والتضميد في غاية الألم حتى إن المرضى في الغالب كانوا ينهارون عند إجراء الجراحة. كان الدبل إذا أخفق في التورم والانفجار، يكون الأمل في البقاء على قيد الحياة ضعيفا، لكن إذا انفتح، كانت الحمى تقل على ما يظهر. اعتقد بعض الأطباء أن شق الدبل كان من شأنه أن يمنع المرض من المضي قدما في تكوين الأمارات المرعبة.
أجرى جراح - كان يخدم في الموقع العسكري بقرية دونستر بمقاطعة سومرست بجنوب إنجلترا عام 1645 - عمليات فصد دماء لكافة الجنود المرضى لدى ظهور أولى علامات المرض عليهم «حتى أوشكوا على السقوط أرضا»، وقيل إن كافة مرضاه قد تعافوا. من الواضح أن عمليات الفصد هذه كان تجرى عند أول ظهور العلامات، أي بعد حوالي 30 يوما من الإصابة، فهل من الممكن أن تكون هذه الطرق العلاجية - التي تشق فيها العقد الليمفاوية المتورمة أو ربما يتم التخلص عبرها من نسبة كبيرة من خلايا الدم البيضاء المصابة - قد مكنت الجهاز المناعي من قهر العدوى؟
بالإضافة إلى الأورام، كان الضحايا يصابون بالحمى، وارتفاع درجة الحرارة، والقيء المستمر، والإسهال، ونزيف دائم من الأنف. كان الأطباء في ميلانو في القرن الخامس عشر يعتبرون البول المخلوط بالدم، والبقع النزفية، أدلة على الإصابة بالطاعون. أيضا غالبا ما كان يصاحب بدء المرض ظمأ شديد، وكان يصاحبه عند البعض جنون وهذيان شديدان، «حتى إن البعض كانوا يلقون بأنفسهم من النوافذ.»
صفحة غير معروفة