درجة الحرارة قارسة البرودة على أن تعيش فيها البراغيث.
وفيات الطاعون الدبلي منخفضة للغاية.
انتشار الطاعون الدبلي كان مستحيلا في ظل الظروف المناخية بأيسلندا.
لماذا استمرت إذن نظرية الطاعون الدبلي؟ لا يملك معظم المؤرخين معرفة مفصلة بالبيولوجيا المعقدة للطاعون الدبلي؛ ولهذا السبب خصصنا فصلا كاملا لشرح التفاعلات بين البراغيث والقوارض المقاومة والفئران والإنسان والبيئة الضرورية لحدوث وباء بهذا المرض.
قليلون هم من درسوا نوبات تفشي أوروبا القارية إلى جانب تلك التي وقعت في إنجلترا. على سبيل المثال، لو أن البروفيسور شروزبري قد درس الطواعين في أوروبا، لما كان قط ليصف البعض منها بأنه داء التيفوس، وما كان قط ليقدر الخسائر في الأرواح إبان الموت الأسود بخمسة بالمائة فقط، إلى حد أنه اضطر إلى فعل ذلك كي يبرر اعتقاده بأن الطاعون الدبلي كان العامل المعدي.
عندما أعلن يرسين عن نتائج أبحاثه البارزة، كان من السهل جدا أن يقفز الأفراد إلى استنتاج أن اليرسينية الطاعونية هي المسئولة أيضا عن جميع طواعين أوروبا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء فحص الأدلة والحقائق بموضوعية. ما إن قرر المؤرخون، فإنهم تمسكوا برأيهم بكل عناد، وقبل الجميع رأيهم بلا نقاش طيلة القرن العشرين بأكمله.
مع توافر جميع الأدلة أمام أعيننا، فمن المستحيل التملص من استنتاج أن الطاعون النزفي ليس له علاقة بالطاعون الدبلي. وفعليا، بخلاف حقيقة أن ضحايا كلا المرضين عانوا من تضخم الغدد وأورام تحت الجلد، فآخر ما يمكن الإشارة إليه بإصبع الاتهام على أنه العامل المعدي للطاعون النزفي هو اليرسينية الطاعونية. لقد رفضنا بشكل قاطع احتمال أن يكون للطاعون الدبلي أي دور في قصتنا. ومع ذلك، فهل تفشى المرض على نحو متقطع، وإن كان لفترات قصيرة، في مناطق مناسبة من أوروبا؟
الفصل الثاني عشر
تحليل الدي إن إيه: صرف الانتباه عن القضية الأساسية
كان الطاعون النزفي، منذ عام 1347 حتى نحو عام 1670، قاصرا على أوروبا، ومن حين إلى آخر على سواحل شمال أفريقيا. من ناحية أخرى، كان الطاعون الدبلي منتشرا ومستفحلا في أنحاء آسيا والشرق الأوسط إبان الثلاثة قرون التي كان فيها الطاعون الغامض محكما قبضته على أوروبا. في الواقع، تغلغل حتى وصل إلى أعتاب أوروبا. ندرك الآن أن الطاعون الدبلي لم يكن من الممكن أن يرسخ أقدامه بإحكام هناك؛ حيث إنه لم تكن توجد قوارض مقاومة بإمكانها أن تشكل مستودعا دائما للمرض، بالإضافة إلى أن الظروف المناخية لم تكن مواتية بالمرة في أنحاء الكثير من هذه المنطقة الواسعة كما رأينا. وهكذا كان لكلا الطاعونين معاقل منفصلة.
صفحة غير معروفة