وقالت لولو بأدب - تالله ما أحلى اسمها، وإن كان يذكرنى باسم كلب كان لنا وأراد لص أن يسرق بيتنا فدس له سما فى طعام تمهيدا للسطو المنوى: «نعم يا ستى».
قالت الست: «اسألى بالتليفون عن حمادة وسعيد لماذا تأخرا واستعجليهما».
حمادة، سعيد؟ ما أغرب هذا الاتفاق! وهممت أن أسألها من يكون هذان؟ ولكنى تذكرت أنى أعرفهما، أعنى أن المفروض أنى أعرفهما، ولابد أن العلاقة وثيقة ما دامت أمى تعطل الحفلة كلها وتؤخرها من أجلهما.
وخرجت لولو. ولكنها لم تذهب إلى التليفون، بل دارت على عقبيها وقالت ويدها على الباب: «ها هما يا ستى».
وصدق حدسى، وكنت أرجو أن يكذب. فما كان حمادة وسعيد غير ولدي الشقيين. ودارت بى الأرض حتى لم أعد أدرى أواقف أنا على قدمى أم على رأسى. ولما استقرت الأشياء فى مواضعها، وعادت، كما كانت، ثابتة لا تترنح ولا تميل كل مميل، مسحت العرق المتصبب من جبينى ومددت يدى إليهما واحدا بعد واحد. فضغطها كل منهما ضغطة خفيفة، وغمز بعينه. نعم هما الشقيان ولا شك، فإن هذا الضغط وذاك الغمز دأبهما أبدا. وهى لغة لهما يعنيان بها أشياء شيء - تترجمها أنت على مقتضى الحال إذا كنت تعرفهما، فمرة يكون المراد التهنئة أو التحية، وتارة يكون التذكير بعبث شاركا فيه، وسرا به، أو بعبث اتفقا معك عليه، وطورا يكون إنذارا بما ينويان أن يركباك به، فإنهما يأنفان أن يأتيا شيئا من هذا القبيل لم يسبق الإنذار به والتحذير منه، وهكذا إلى آخره إن كان لهذا آخر.
ولم يكن يبدو عليهما قلق، أو ما يشى بقلق، فكدت أجن ... أهذا حال فتيين أصبحا فإذا أبوهما قد شق الأرض - والسرير - واختفى؟ أو وجداه جثة هامدة؟ مستحيل! إذن ماذا؟ أترانى هنا وهناك فى آن معا؟ أيمكن أن أكون انفلقت اثنين، فبقى منى واحد، حيث كنا جميعا، وجىء بواحد إلى هنا؟
وكررت إليهما الطرف فإذا هما على عهدى بهما، لا يحفلان أن أمى لا تنفك داخلة خارجة، وأن هذا العم الضخم قائم كأحد تمثالى رمسيس فى مدخل وادى الملوك بطيبة، فهما يدغدغان هذا تحت إبطه، وذاك فى خاصرته، ويدسان أيديهما فى جيوبهما، ويخرجان مالا أدرى، ويضعانه بخفة فى قفا ثالث أو أذن رابع فيصرخ وينط، ويدفع يده إلى ظهره، فيقرقر الشقيان سرورا، وتوقعت أن لا أنجو من عبثهما، ولكن هذا لم يكن يعنينى قدر ما كان يعنينى أن أتبين ماذا صنع الله بى هناك ... عندهما ... أعنى شطرى الثانى الذى انفلقت عنه، إذا كنت انفلقت شطرين.
وآليت لاجلون هذا الأمر فجذبت حمادة من ذراعه ونأيت به عن الجماعة التى وقف معها، وتوقعت وأنا أمضى أن ينظر إلى يمؤخر عينه على عادته فأدرت وجهى إليه لأرى هل فعل؟ وصح ظنى، فكان ما توقعت، فزال كل شك يمكن أن يختلج فى الصدر.
وسألته: «من أين جئت»؟
قال: «ومن أين أجىء إلا من البيت»؟
صفحة غير معروفة