وإنى لأدفع حصاة برجلى، وإذا بصوت يقول: «هش ...» فالتفت إلي مصدره فإذا رجل فى سراويل إلى نصف الفخذ كالتى يلبسها لاعب الكرة أو المصارعون، وتكتها طويلة غليظة كحبل الشراع إلا أنها ملونة، وطرفاها يتدليان من عقدتهما إلى قريب من الركبة، وعلى صدره قميص أو قطعة منه، وفوق رأسه قبعة قديمة، وقدماه فى حذاءين باليين عليهما طوائف شتى من الاوحال جف بعضها وما زالت بقيتها طرية، فأدركت أنه البستانى أو بعض أعوانه، فما يقوم على خدمة هذه الحديقة الواسعة الحافلة بصنوف الزهر والشجر رجل واحد.
واقتربت منه فقال: «سمعت أن البك مشرفنا اليوم».
قلت: «البك»؟
قال: «البك عمك».
قلت: «آه».
قال مستفسرا، وفى عينيه التماع خبيث: «العادة يا سعادة؟ فلم أفهم، ولى العذر، وبدا لى أن خير ما أصنع هو أن أوافقه، وليكن ما شاء الله أن يكون، وهززت له رأسى أن «نعم» وتبسمت. فقال: «عال. قبل الظهر تكون الأمانة تحت السرير».
فشكرته ووددت لو كان معى مال لأنفخه منه بشىء، وتساءلت فى سرى: «أليس لى «اعتماد» مفتوح فى ميزانية هذا القصر أنفق منه كغيرى من الغلمان - مصروف لجيبى كما يسمونه»؟
ورأيته يتراجع فى حذر ويتوارى وراء جذع شجرة كالقطة أبصرت كلبا يدلف إليها فتلفت إلى حيث كانت عينه تنظر، فإذا الفتاة الخادمة، فلم أكترث لها وهممت أن أمضى فى طريقى، وخطر لى أن ليتها ترافقنى فإنها جميلة وضاءة المحيا، وخليق بالتنزه معها فى هذه الحديقة أن يفيد الرجل المضمر فى هذا الاهاب الصبيانى، متعة.
ولكنها لم ترافقنى بل دعتنى إليها بإشارة من كفها، فذهبت إليها أعدو فانحنت على وقالت بصوت كالهمس: «لقد رأتك ماما من الشباك واقفا مع «عم أحمد» الجناينى فكلفتنى أن أقول لك إنه لا يليق بك أن تحادث مثله».
فدهش شقى المستور وسألها بلسان الغلام: «وما عيبه؟ أليس من خلق الله مثلى ومثلك؟ ما هذه الغطرسة»؟
صفحة غير معروفة