231

العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

[الفرق بين واقعتي استلحاق زياد وابن وليدة زمعة] وأما (نكتة الكلام) وهو القول في استلحاق معاوية زيادًا وأخذ الناس عليه في ذلك، فأي إخذ عليه فيه إن كان سمع ذلك من أبيه؟ وأي عار على أبي سفيان في أن يليط بنفسه ولد زنا كان في الجاهلية. فمعلوم أن سمية لم تكن لأبي سفيان، كما لم تكن وليدة زمعة لعتبة، لكن كان لعتبة منازع تعين القضاء له، ولم يكن لمعاوية منازع في زياد. اللهم إن هاهنا نكتة اختلف العلماء فيها، وهي أن الأخ إذا استلحق أخا يقول هو ابن أبي ولم يكن له منازع بل كان وحده، فقال مالك: يرث ولا يثبت النسب. وقال الشافعي - في أحد القولين - يثبت النسب ويأخذ المال، هذا إذا كان المقر به غير معروف النسب. واحتج الشافعي بقول النبي ﷺ: «هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر» فقضى بكونه للفراش وبإثبات النسب. قلنا هذا جهل عظيم، وذلك أن قوله إن النبي ﷺ قضى بكونه للفراش صحيح، وأما قوله بثبوت النسب فباطل، لأن عبدًا ادعى سببين: أحدهما الأخوة والثاني ولادة الفراش. فلو قال النبي ﷺ: هو أخوك، الولد للفراش. لكان إثباتًا للحكم، وذكرًا للعلة. بيد أن النبي ﷺ عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها، وأعرض عن النسب ولم يصرح به، وإنما في الصحيح في لفظ «هو أخوك»، وفي آخر «هو لك»، معناه فأنت أعلم به. وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف (١) . فالحارث بن كلدة لم يدع زيادًا ولا كان إليه منسوبًا، وإنما كان ابن أمته ولد على فراشه - أي في داره - فكل من ادعاه فهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل

(١) للمؤلف كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف) ٢٠ مجلدا.

1 / 240