في اليقظة رأيت الحزن، والأسى فأين ذهبت أفراح الحلم ومسراته؟
أني توارت بهجة المنام، وكيف اضمحلت رسومه؟ وكيف تتجلد النفس حتى يعيد النوم أشباح أمانيها وآمالها؟
اصغ يا قلبي واسمعني متكلما.
كانت نفسي بالأمس شجرة قوية مسنة تمتد عروقها إلى أعماق الأرض، وتتعالى غصونها نحو اللانهاية.
ولقد أزهرت نفسي في الربيع، وأثمرت في الصيف، ولما جاء الخريف جمعت أثمارها في أطباق من الفضة، ووضعتها على قارعة الطريق، فكان العابرون يتناولون منها ، ويأكلون ثم يسيرون في سبيلهم.
ولما انقضى الخريف، وتحولت تهاليله إلى الندب، والولولة نظرت فلم أر في أطباقي سوى ثمرة واحدة أبقاها الناس لي، فتناولتها وأكلتها، فألفيتها كالعلقم، حامضة كالحصرم، فقلت لنفسي: «ويحي لقد وضعت في أفواه الناس لعنة، وفي أجوافهم عداء، فماذا ترى فعلت يا نفسي بالحلاوة التي امتصتها عروقك من أحشاء الأرض، وبالأريج الذي تشربته قضبانك من نور الشمس؟».
بعد ذلك اقتلعت شجرة نفسي القوية المسنة.
اقتلعتها بعروقها من التربة التي نمت فيها وترعرعت، اقتلعتها من ماضيها، ونزعت عنها ذكرى ألف ربيع، وألف خريف.
وعدت فزرعت شجرة نفسي في مكان آخر.
زرعتها في حقل بعيد عن سبل الزمن، وكنت أسهر بجانبها قائلا إن السهر يدنينا من النجوم، وكنت أسقيها بدمي، ودموعي قائلا: إن في الدم نكهة، وفي الدموع حلاوة، ولما عاد الربيع أزهرت نفسي ثانية.
صفحة غير معروفة