إن رسم المرأة التي أحبها قلبي لم يزل معلقا بجانب مضجعي، ورسائل الحب التي بعثت بها إلي ما برحت في العلبة الفضية المرصعة بالعقيق والمرجان، وذؤابة الشعر الذهبية التي حبتني بها تذكارا لم تخرج قط من الغلاف الحريري المبطن بالمسك والبخور - جميع هذه الأشياء ستبقى في أماكنها حتى الصبح - وعند مجيء الصباح أفتح نوافذ منزلي، ليدخل الهواء، ويحملها إلى ظلمة العدم إلى حيث تقطن السكينة الخرساء.
إن المرأة التي أحبها قلبي شبيهة بالنساء اللواتي أحبتهن قلوبكم أيها الفتيان، هي مخلوقة عجيبة صنعتها الآلهة من وداعة الحمامة، وتقلبات الأفعى، وتيه الطاووس، وشراسة الذئب، وجمال الوردة البيضاء، وهول الليلة السوداء مع قبضة من الرماد، وغرفة من زبد البحر.
وقد عرفت المرأة التي أحبها قلبي أيام الطفولة، فكنت أركض ورائها في الحقول، وأتمسك بأذيالها في الشوارع.
وعرفتها أيام الصبا، فكنت أرى خيال وجهها في وجوه الكتب، والأسفار، وأشاهد خطوط قامتها بين غيوم السماء، وأسمع نغمة صوتها متصاعدة مع خرير السواقي.
وعرفتها أيام الرجولة؛ فكنت أجالسها محدثا، وأسألها مستفتيا، وأقترب منها شاكيا ما في قلبي من الأوجاع، باسطا ما في روحي من الأسرار.
كل ذلك كان بالأمس، والأمس حلم لا يعود، أما اليوم فقد ذهبت تلك المرأة إلى أرض بعيدة خالية مقفرة باردة تدعى بلاد الخلو والنسيان. •••
أما اسم المرأة التي أحبها قلبي فهو الحياة.
فالحياة امرأة ساحرة حسناء تستهوي قلوبنا، وتستغوي أرواحنا، وتغمر وجداننا بالوعود، فإن أمطلت أماتت فينا الصبر، وإن أبرت أيقظت فينا الملل.
الحياة امرأة تستحم بدموع عشاقها، وتتعطر بدماء قتلاها.
الحياة امرأة ترتدي الأيام البيضاء المبطنة بالليالي السوداء.
صفحة غير معروفة