============================================================
وروى مماوية بن عبد الكريم قال : كنا تتذاكر الشعر عند محمد بن سيرين، وكان يقول ونمزح عنده، ويمازحنا، وكنا تخرج من عنده ونحن تضحك، وكنا إذا دخلتا على الحسن تخرج من عنده ونحن نكاد تبكى: فهذه الأخبار، والآثار، دالة عل حسن لين الجانب وصحة حال الصوفية، وحسن أخلاقهم فيما يعتمدونه من المداعبة فى الربط، وينزلون مع الناس على حسب طباعهم لنظرهم الى سعة رحمة الله فإذا خلوا وقفوا موقف الرجال، واكتسوا ملابس الأعمال والأحوال ، ولا يقف فى هذا المعنى على حد الاعتدال إلا صوفى قاهر للنفس، عالم بأخلاقها وطباعها، سائس لها بوفور العلم ، حتى يقف فى ذلك صراط الاعتدال بين الإفراط والتفريط، ولا يصلح الإكثار من ذلك للمريدين الميتدئين ، لقلة علمهم ومعوقتهم بالنفس وتعديهم حد الاعتدال ، فللنفس فى هذه المواطن نهضات ووثبات تجر إلى الفساد وتجنح إلى العناد، قالنزول إلى طباع الناس يحسن بمن صعد عنهم وترقى لعلو حاله ومقامه، فينزل إليهم وإلى طباعهم حين ينزل بالعلم.
قأما من لم يصعد بصفاء حاله عنهم، وفييه بقية مرح من طباعهم ونقوسهم الجامحة الأمارة بالسوء، إذا دخلت فى هذه الداخل أخذت النفس حظها، واغتنمت مآريها، واستروحت إلى الرخصة. والنزول إلى الرخصة يحسن لن يركب العزيمة غالب أوقاته، وليس ذلك شأن المبتدي ؛ قللصوفية العلماء- فيما ذكرناه - ترويح يعلمون حاجة القلب إلى ذلك والشىء إذا وضع للحاجة يتقدر بقدر الحاجة ، ومعيار مقدار الحاجة فى ذلك علم غامض لا يسلم لكل أحد.
قال (سعيد بن العاص) لأبنه : اقتصد فى مزاحك، فالافراط فيه يذهب بالبهاء، ويجرىء عليك السقهاء، وتركه يغيظ المؤانسين، ويوحش المخالطين : قال بعضهم : المزاح مسلبة البهاء، مقطعة للإخاء: وكما يصعب معرفة الاعتدال فى ذلك يصعب معرفة الاعتدال فى الضحك، والضحك من خصائص الإنسان، ويميزه عن جنس الحيوان، ولا يكون الضحك إلا عن سابقة تعجب، والتعجب يستدعى الفكر، والفكر شرف الإنسان وخاصيته، ومعرفة الاعتدال فيه أيضا شأن من ترسخ قدمه فى العلم، ولهذا قيل: إياك وكثرة الضحك فإنها تميت القلب.
وقيل: كثرة الضحك من الرعونة.
صفحة ٨٣