251

============================================================

152 وإنما لما صفت التفس وتزكت، انطلق الروح من وثائق ظلمة النقس، فأخذ فى العروج الى أوطان القرب، وانتزح القلب عند ذلك عن مستقره متطلعا إلى الروح، فاكتسب وصفا زائذا على وصفه، فانعجم على الواجدين ذلك الوصف، حيث رأوه أصفى من القلب فسموه سرا.

ولما صار للقلب وصف زائد على وصفه، بتطلعه إلى الروح، اكتسب وصفا زائذا فى عروجه وانعجم على الواجدين فسموه سرا: والذى زعموا أنه ألطف من الروح: روح متصفة وصف أخص مما عهدوه.

والذى سموه قيل الروح سرا: هو قلب اتصف بوصف زائد غير ما عهدوه.

وفى مثل هذا الترقى من الروح والقلب تترقى التفس إلى محل القلب، وتنخدع من وصفها فتصير نقا مطمئنة ترتد كشيرا من مردات القلب من قبل. إذ صار القلب يريد ما يريده مولاه، متبرثا عن الحول والقوة والإرادة والاختيار، وعندها ذاق طعم صرف العبودية؛ حيث صار حرا عن إرادته واختياراته.

وأما العقل فهو لسان الروح وترجمان البصيرة، والبصيرة للروح بمثابة القلب، والعقل بمثابة اللسان.

وقد ورد فى الخبر عن رسول الله أنه قسال (اأول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبيل، فاقبل ثم قال له: أدير فأدير، ثم قال له اقعد، فقعد، ثم قال له: انطلق فنطق، ثم قال له: اصمت، فصمت، فقال: وعزتى وجلالى وعظمتى وكبريائى، وسلطانى، وجبروتى ما خلقت خلقا أحب إلى منك ولا اكرم على منك، بل أعرف، وبك أحمد، وبك أطاع، وبك آخذ، وبك أعطى، وإياك أعاتب، ولك الثواب وعليك العقاب، وما أكرمتك بشىء أفضل من الصبر"(1).

وقال عليه الصلاة والسلام (الا يعجبنكم إسلام رجل حتى تعلموا ما عقله عقله))(2).

وسألت عائشة رضى الله عنها النبى قالت: قلت يا رسول الله: پأى شىء يتفاضل الناس؟ قال: ("بالعقل فى الدنيا والآخرة، قالت: قلت: ألبس يجزى الناس بأعمالهم؟

قال: يا عائشة، وهل يعمل بطاعة الله إلا من قد عقل، فبقدر عقولهم يعملون، وعلى قدر ما يعملون يچزون)).

(1) رواه الديلمى والظبرانى.

(2) رواه الترمذى.

صفحة ٢٥١