207

============================================================

28 وكان الشيخ أبو السعود - رحمه الله تعالى - يتكلم مع الأصحاب بما يلقى إليه، وكسان يقول: أنا فى هذا الكلام مستمع كأحدكم. فأشكل ذلسك على بعض الحاضرين، وقال: إذا كان القائل هو يعلم ما يقول، كيف يكون كمستمع لا يعلم حتى يسمع منسه؟..

فرجع إلى منزله، فرأى ليلته فى المنام كأن قائلا يقول له: أليس الغواص يغوص فى البحر لطلب الدر؟

ويجمع الصدف في مخلاته، والدر قد حصل معه، ولكن لا يراه إلا إذا خرج من البحر، ويشاركه فى رؤية الدر من هو على الساحل؟. ففهم بالمنام إشارة الشيخ فى ذلك.

فأحسن أدب المريد مع الشيخ السكوت والخمود والجمود؛ حتى ييادئه الشيخ بماله فيه من الصلاح قولا وفعلا: وقيل أيضا فى قوله تعالى: لا تقدموا بين يدى الله ورسوله(1). لا تطلبوا منزلة وراء منزلته. وهذا من محاسن الآداب وأعزها.

وينبغى للمريد أن لا يحدث نفسه بطلب منزلة فوق الشيخ، بل يحب للشيخ كل منزلة عالية، ويتمنى للشيخ غزيز المتح، وغرائب المواهب، وبهذا ظهر جوهر المريد فى حسن الإرادة، وهذا يعز فى المريدين؛ فإراداته للشيخ تعطيه فوق ما يتمنى لتفسه، ويكون قائيا بأداب الإرادة: قال السرى رحمه الله حسن الأدب ترجمان العقل.

وقال أبو عبد الله بن حنيف: قال لى رويم: يا بنى اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا.

وقيل: التصوف كله أدب، لكل وقت أدب، ولكل حال أدب، ولكل مقام أدب؛ فمن يلزم الأدب يبلغ الرجال، ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، ومردود من حيث يرجو القبول.

الومن تأديب الله تعالى أصحاب رسول الله قوله تعالى ل(لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى(2) : كان ثابت بن قيس بن شماس فى أذنه وقر، وكان جهورى الصوت، فكان إذا كلم إنسائا جهر بصوته، وربما كان يكلم النبى فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى الآية تأديبا له ولغيره.

(1) سورة الحجرات الآية 1.

(2) سورة الحجرات الآية 2.

صفحة ٢٠٧