============================================================
15 وسمعت شيخنا يقول: لى شيئين ما اكلت شيئا بشهوة نفس ابتداء واستدعاء؛ بل يقدم الى الشىء فأراه من فضل الله ونعمته وفعله، فأوافق الحق فى فعله.
وذكر أنه فى ذات يوم اشتهى الطعام، ولم يحضر من عادته تقديم الطعام إليه، قال: ففتحت باب البيت الذى فيه الطعام وأخذت رمانة لاكلها، قدخلت السنود وأخذت دجاجة كانت هناك، فقلت: هذا عقوية لى على تصرفى فى أخذ الرمانة.
ورأيت الشيخ أبا السعود، رحمه الله، يتناول الطعام فى اليوم مرات، أى وقت حضر الطعام أكل منه، ويرى أن تناوله للطعام موافقة الحق، لأن حاله مع الله كان قرك الاختيار فى مأكوله، وملبوسه وجميع تصارينه وكان حال الوقوف مع فعل الحق، وقد كان له فى ذلك بداية يعز مثلها؛ حتى تقل أنه بقى أياما لاياكل ولايعلم أحد بحاله، ولايتصرف هو لنفسه، ولايتسبب إلى تناول شىء، وينتظر فعل الحق لسياقه السرزق إليه، ولم يشعر أحد بحاله مدة من الزمان، ثم إن الله تعالى أظظهر حاله وأقام له الأصحاب والتلامذة، وكانوا يتكلفون الأطعمة ويأتون بها إليه، وهو يرى فى ذلك فضل الحق والموافقة.
سمعته يقول : أصبح كل يوم وأحب ما إلى الصوم. ويئقض الحق على محبتى الصوم بفعله، فأوافق الحق فى فعله.
وحكى عن بعض الصادقين من أهل دواسط، أنه صام سنين كثيرة وكان يقطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا فى رمضان.
وقال أبو نصر السراج: أنكر قوم هذه المخالفة وإن كان الصوم تطوغا، واستحسنه آخرون؛ لأن صاحبه كان يريد بذلك تأديب النفس بالجوع ، وأن لايتمتع برؤية الصوم، ووقع لى أن هذا إن قصد أن لا يتمتع برؤية الصوم فقد تمتع برؤية عدم التمتع يرؤية الصوم. وهذا يتسلسل.
والأليق بموافقة العلم إمضاء الصوم، قال الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم)(1) .
ولكن أهل الصدق لهم ثيات فيما يفعلون، فلا يعارضون. الصدق محمود لعينه كيف كان، والصادق فى خفارة صدقه كيف تقلب.
وقال بعضهم : إذا رأيت الصوفى يصوم صوم التطوع فاتهمه، فإته قد اجتمع معه شىء من الدنيا.
(1) آية رقم 33 من سورة محمد .
صفحة ١٤٤