السيد محمد بن عقيل مؤلف هذا الكتاب
صاحب هذا الكتاب من كبار علماء المسلمين وأعاظم أئمتهم ومن الذين وقفوا أنفسهم على العلم والصلاح والإصلاح ولد في بلدة مسيلة آل شيخ قرب تريم من بلاد حضرموت سنة 1279 وتوفى سنة 1350 في الحديدة من اليمن وقد عني والده بتعليمه فأحضر له إلى المسيلة من يعلمه من علماء حضرموت فقرأ القرآن وتعلم الخط ثم درس النحو وبعض متون الفقه وبعض دواوين الشعر وجل مقامات الحريري وكان معظم قراءته على والده وعمه محمد بن عبدالله وعلى السيد أبى بكر بن شهاب وغيرهم وكانت لأسلافه مكتبة عظيمة تحوي نفائس الكتب المطبوعة والمخطوطة فطالع أكثر ما حوته بإمعان
وكان في الخامسة عشرة من عمره عندما توفى والده وفي السابعة عشرة رحل من جنوب اليمن إلى سنغافورة فاشتغل بالتجارة وظل مثابرا على المطالعة والدرس وفي خلال الحرب العالمية الأولى سعى لدى حكومة سنغافورة في تأسيس مجلس باسم مجلس الاستشارة الإسلامي فنجح مسعاه وتألف المجلس وعهد إليه برئاسته وكانت الغاية منه إجراء أحكام المسلمين كالمواريث وغيرها وفق الدين الإسلامي وأسس في سنغافورة جمعية إسلامية ومجلة وجريدة عربيتين ومدرسة عربية إسلامية وحج البيت الحرام ثلاث مرات وسافر إلى الهند مرارا وإلى اليابان والصين وروسيا ومنها إلى برلين ففرنسا كما سافر إلى العراق وسورية ومصر مرارا
صفحة ٢
عودة من مهجره
في سنة 1338ه تم له العزم على الرحيل من سنغافورة بعد أن أقام بها السنين المتعددة فأرسل بعض عائلته إلى مكة ثم في سنة 1339ه أرسل بقية العائلة ولحقهم بعد ذلك أثناء السنة نفسها ولبث مقيما معهم ستة أشهر ثم رحل بجميع أهله من الحجاز إلى المكلا في شهر صفر سنة 1340ه فكان منزله بها مودا للضيف والأديب والعالم وقد أقام بالمكلا مدة ليست بالقليلة وهو يصارح في أغلب مجالسه ويطالب بإصلاح حضرموت ويبدي وجهة نظره في الإصلاح وكيفياته بكل جلاء ووضوح فكان يصارح السلطان والوزير والموظف والتاجر ومن يجيء إليه من الأعيان وينتقد الحالة الحاضرة انتقادا ظاهرا واضحا فيحدث في بعض الأحيان شيء من التألم من جراء مرارة الانتقاد، حتى تحول أخيرا في سنة 1347ه بين زوبعة من الضجيج إلى عدن فتحركت البلاد لقدومه ولإقامته بها فكان المنزل الذي سكنه أشبه بمكتب استفتاء ومعهد وناد أدبي وإدارة تحرير في آن واحد يدرس عنده الطالب ويجيء إليه السائل والمستفهم ويرد عليه المناظر والمجادل وتنعقد مجالس الأدب والظروف ومنضدته الخاصة تتكدس عليها الأوراق فيلازمها في وقت معين من كل يوم للإجابة على الرسائل الواردة من مختلف الأنحاء، علاوة على ما هو متعهد به على نفسه من المطالعة في أغلب الليالي مع التقاييد التي يضبطها في كتابه ثمرات المطالعة
وفي سنة 1349ه تحول من عدن إلى الحديدة وظل بها حتى توفي داره في سنغافورة
صفحة ٣
من جملة أعماله التي تفرد بها وأنه جعل في داره بسنغافورة مكتبة عظيمة أتى لها بكتب كثيرة قيمة واشترك في جملة من الجرائد والمجلات فكان يرد إليه في كا أسبوع كمية وافرة منها لهذا كانت داره قبلة العلماء والأدباء ورجال السياسة والأذكياء وقد خصص جزءا من داره للمسافرين فكانت المأوى للعلماء وملجأ للاجئين
بعض أعماله
وقد وصف السيد عبد الله صدقة دحلان في جريدة حضرموت كيف أن عمل المترجم قد أثمر لا في سنغافوره وحدها بل تعداها إلى أندونيسيا فقال:
أسس في سنغافوره محل إقامته جمعية إسلامية ثم مجلة دينية وجريدة عربية ثم مدرسة عربية دينية فكان ذلك سببا لما نشاهده الآن في البلاد الجاوية من المدارس والمجلات والجرائد التي نجمل الكلام عليها فنقول: تأسست بهمة المترجم في سنغافورة سنة 1322ه جمعية إسلامية تولى رئاستها السيد محمد بن أحمد السقاف فكانت هذه الجمعية نواة جمعيات الإصلاح في البلاد الجاوية وصارت مركزا عاما يقصده المثقفون بل كانت سببا لجمع شمل العرب الذي كان مفرقا ثم أسس مجلة الامام فصدر العدد الأول منها في أول جمادى الثانية سنة 1324ه (1906) وصدر آخر عدد منها في شهر ذي الحجة 1326ه (1908)
صفحة ٤
طرقت مجلة الامام مباحث نافعة سمع بها الناس صوت الإصلاح وقامت حولها ضجة عظيمة كان السكوت نصيبها بهمة صاحبها ولم يكتف بالمجلة فحرض لجنتي إدارة المجلة على ترجمة الكتب النافعة وطبعها فترجموا كتاب (الشمس المشرقة في نهضة اليابان) وجملة من الكتب المدرسية وطبعوا ذلك كله فكان له من الأثر العظيم ما شاهدناه ونشاهده الآن ثم أسس مدرسة سماها الإقبال سنة 1325ه وأتى لها بمعلمين من مصر سنة 1326ه ثم بمساعيه تأسست جريدة الإصلاح وصدر العدد الأول منها أول شوال سنة 1326ه وآخر عدد منها 24 ذي الحجة 1328ه
وهكذا انتشرت فكرة الإصلاح في أندونيسيا وبلدان جنوب آسيا بواسطة مجلة الامام وجريدة الإصلاح فتأسست في جاكرتا جمعية خير سنة 1324ه وتأسست أول مدرسة لجمعية خير في جاكرتا وفي فليمباغ بهمة السيدين علي بن عبد الرحمن المساوي ومحمد بن عبد الرحمن المنور وذلك سنة 1326ه وتأسست مدرسة في سورابايا سنة 1326ه بهمة السيد شيخ بن زين الحبشي ثم أسس السيد عبد الله بن علوي العطاس مدرسة في جاكرتا وهكذا تتابع إنشاء الجمعيات والمدارس وانتشرت فكرة النهضة العلمية والحركة الدينية في البلاد الجاوية من أقصاها إلى أقصاها بهمة ومساعي المترجم
وقد زار جاوا (أندونيسيا) آخر زيارة 1918 فأقام في مدينة سورابايا نحو الشهر في قصر السيد حسن بن أحمد باعقيل فكان ذلك الشهر غرة في جبين الدهر تكررت فيه المجالس العامة وفاضت فيه أحاديث الأدب والعلم وكان القصر أشبه بمعهد علمي وحوله الناس غادين رائحين
بعض آرائه
تبدو بعض آرائه خلال رسائله إلى أصدقائه قال من رسلة إلى المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين مؤرخة في 22 جمادى الثانية سنة 1346ه صادرة عن المكلا:
... وفي اليمن بعض الشيعة الجعفرية كبيت (البو طالب) من بني القاسم رهط الامام ومنهم ناظر الأوقاف ولديهم كتب مخطوطة غير كثيرة *
وقال من رسالة إلى السيد محمد سعيد العرفي ** صادرة عن عدن في 15 ذي الحجة سنة 1348ه:
صفحة ٥
... اليمن حالها غير مسرة لفقرها من الرجال ولعدم معرفة قادتها شيئا من أمور العالم ولما خلفه بها الترك
* موجودون في مدينة الروضة خارج صنعاء وتفرقت أسر منهم في بعض العشائر
** السيد محمد سعيد العرفي من أكابر علماء الإسلام وهو من أبناء دير الزور المدينة السورية المعروفة وكان قد كافح الافرنسيين أيام الاحتلال فاضطروه إلى النزوح عن وطنه فحل في القاهرة واتصلت الأسباب بينه وبين المترجم وتواترت الرسائل ثم عاد السيد محمد سعيد من هجرته حينما عاد جل المشردين واستقر في بلده فانتخب في العهد الوطني الأول نائبا عن دير الزور ثم عين مفتيا فيها وظل كذلك حتى انتقل إلى جوار ربه ولقد كان عالما جليلا وباحثا كبيرا ومؤلفا مجيدا أما سجاياه فقد كانت سجايا الأئمة تواضعا وفصاحة وكرما وجهرا بالحق
عن الشافعي
وقال في نفس الرسالة: والشافعي رحمه الله له قدم في التشيع واقتدار على المعاريض وتمسك بالتقية وقد تعرضت لشيء من كلامه وفسرته في النصائح الكافية وتقوية الإيمان *
* قال الأمير شكيب أرسلان في تعليقه على حاضر العالم الإسلامي: كان هارون الرشيد جبارا سفاكا للدماء على نمط من ملوك الشرق المستبدين وقد كاد يبطش بالإمام الشافعي لتهمة أنه يميل إلى أولاد علي
عن الصوفية
وقال من رسالة أخرى أرسلها إلى السيد العرفي:
والصوفية قد خدم الإسلام صالحوهم رضي الله عنه ولكن المنتسبين إليهم من المتصوفة والزنادقة قد أفسدوا الإسلام وأهله وعمموا عقيدة الجبر الصرف وأخروا الإسلام بإضعاف ما خدمه ونفعه به المخلصون فهم جند المستعمرين وخدم المبشرين وحمير الشياطين
صفحة ٦
ثمرات المطالعة وأحاديث المختار
وقال من رسالة إلى المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين صادرة عن المكلا مؤرخة في 22 ذي القعدة سنة 1346ه:
والمجموعة ثمرات المطالعة هي عبارة عن كشكول ولما أقدر على مقابلة النقل وتهذيب الكلام والذي قد سود منها يدخل في أكثر من ثلاثة مجلدات وبقي بالفهارس والمذكرات نحو ضعف ذلك أو أكثر * ومعها كنت كتبت مسودة نحو ثلاثة مجلدات أيضا في حياة أمير المؤمنين وما تعلق بها ثم عجزت عن إتمامها لأن الباقي منه أكثر مما سودته وسماها شيخي السيد أبو بكر: أحاديث المختار في معالي الكرار **
* طبع الجزء الأول بعد وفاته
** مخطوط موجود في مدينة صنعاء في مكتبة مسجد أروى بنت الصليحية
الآل
ومن كتاب له إلى السيد العرفي من عدن مؤرخ 25 ذي القعدة سنة 1348ه:
.. وخلو كتب أكثر المذاهب عن مذاهب العترة وكرور الأحقاب عل جحد فضل علي وأولاده تبعا لمن قلب الدين ظهرا لبطن صار بذلك ذكر الآل أمرا غريبا مستبشعا ومنكرا وقد لقيت بعض العلماء سابقا في بلد بومباي فسألني إلى أين عزمك، فقلت: إلى العراق، فقال: هنيئا لك زيارة أبي صالح يعني القطب الجيلاني فقلت: أنعم وأكرم بابي صالح وإنما قصدي زيارة النجف وكربلاء فانذعر وقال ما معناه: أبعد الله الشر عنا.. فضحكت وقلت له: وهل شرف أبو صالح وغيره إلا بما أفاض الله عليهم من طريق من بالنجف فخجل
الملوك والأمراء
وقال في نفس الرسالة وكأنه يتنبأ بما صار إليه الأمر اليوم:
أما الملوك والأمراء فإن حالهم قد تبدل وصارت الأمم تنتظر فرصة تشريد ملوكها كما فعلت الترك ولذلك صار عقلاؤهم يتظاهرون بما ليسوا من أهله فترى حتى من تربى منهم تربية إباحية يتظاهر بالورع يطيل بذلك أيامه ويستجلب عطف الرعية ويجعل ذلك حجة للحافين بعرشه ممن دكاكينهم دينهم
صفحة ٧
أبو طالب
ومن رسالة له إلى الشيخ سعيد من عدن مؤرخة في 23 جمادى الأولى سنة 1349ه:
وأما أبو طالب فمن درس أخبار حياته تيقن أنه أبر الصحابة بالنبي وأكبرهم جهادا في إقامة الدين ومن عرف مقام اليتيم عند العرب وما هو كالطبيعي من أن من عنده أبناء من خيرة الأبناء كأبي طالب لا يتملكه حب ولد آخر ولهذا صدر من اللعين أبي لهب ما صدر أما أبو طالب فلم يكتف بالحدب والعطف والإيثار والنصر حتى أقام نفسه مقام الشاعر المادح أمام الملك العظيم هذا مع ماله من جليل المنزلة عند القوم ومن المعلوم أن من له مقاما بين قوم لا يسمح بتفريق كلمتهم ويسهل عليه كل صعب في ذلك ولكن أبا طالب لم يبل بشيء بل قال:
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة .... وابشر وقر بذاك عيونا
والله لن يصلوا إليك بجمعهم .... حتى أوسد في التراب دفينا
ولولا أن الإيمان غمر مشاعره وخالط دمه ولحمه لما كان سبيله إلى سبيل غيره ولكنه التوفيق الالهي وإن خاتمة أمر أبي طالب كأوله خدمة للدين وللنبي بسكوته عن الجهر بالشهادة ليرقبه في ابن أخيه فيا له من جهاد ويا لها من نية صالحة فرضي الله عنه وأرضاه
إصلاح الأزهر
ومن رسالة إلى السيد العرفي مؤرخة في 21 المحرم سنة 1349ه:
والأزهر له سابق باهر وهو أكبر مدرسة إسلامية وله أوقاف مهمة وبها طال عمره وإيجاد مثله مستبعد جدا فمن أهم الواجبات إصلاحه والسعي فيه بكل وسيلة وحيلة
مراثية
قال المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين يرثيه:
سالت دموع العين كل مسيل .... حزنا لفقد محمد بن عقيل
رزء بدا الزمان بمقلة .... مكفوفة وبساعد مشلول
رزء به فجع النبي محمد .... والبضعة الزهراء خير بتول
والمرتضى وبنوه كلهم فهم .... "من سائل باك ومن مسؤول"
صفحة ٨
رزء له تبكي علوم محمد .... وشرائع التحريم والتحليل
نبأ من اليمن استطار فزلزلت .... منه البلاد وقيل دونك زولي
نبأ له اهتز الحجاز وبابل .... وربى الشآم وأرض وادي النيل
وأصاب أقصى حضرموت بفجعة .... تركت بنيه برنة وعويل
وصداه عم الهند من أطرافها .... والمغرب الأقصى وكل قبيل
بمحمد جل المصاب ولم يكن .... رزء الجليل الفذ غير جليل
أرض "الحديدة" قد سعدت بنازل .... لم تسمح الدنيا له بمثيل
أين اللسان العضب إن جردته .... يمضي مضاء الصارم المصقول
أين المقال الفصل لا يبقى به .... عند الجدال لقائل من قيل
أين اليراع إذا جرى كشفت عنه .... شبهات كل مموه ضليل
كم قد نصرت الحق إذ لا ناصر .... وأقمت أوضح حجة ودليل
ورددت خصمك ناكصا متحيرا .... بدلائل المعقول والمنقول
وإذا الفحول إلى لقاك تواثبت .... تلقى فحول القوم غير فحول
كم موقف لك في الجدال غدت به الأ .... بطال بين مجدل وقتيل
نظروا إليك وقد بهرت عقولهم .... بنواظر عند التخاصم حول
كادوك فيما لفقوا من افكهم .... فتركت كيد القوم في تضليل
ورميتهم بحجارة من قولك .... المعروف لا بحجارة السجيل
ونبا سلاح العاجزين سبابهم .... بئس السلام العاجز مخذول
جردت سيف الحق أبيض ماضيا .... وسطوا بسيف للضلال كليل
صالوا وصلت لدى الخصام فلم تدع .... عند التخاصم صولة لصؤول
لما تسابقتم سبقت وقصروا .... وامتاز فاضلكم من المفضول
وعمدت للبرهان يشرق وجهة .... نورا وقد عمدوا إلى التدجيل إن (النصائح) منك (كافية) غدت .... بسمعها إن قوبلت بقبول *
صفحة ٩
أظهرت (بالعتب الجميل) وما حوى .... هفوات أهل الجرح والتعديل **
عاتبتهم عتبا جميلا للذي .... ما كان فيه فعلهم بجميل
ونهجت نهجا للهدى وأبنت عن .... غرر له مشهورة وحجول
ولقد ورثت من النبي محمد .... خلقا كزهر الروضة المطلول
ونشرت بين الخلق علما زاهرا... ما كان بالمكذوب والمنحول
فاذهب كما ذهب الغمام له الثنا .... من كل حزن في الثرى وسهول
في كل جيل منك ذكر خالد .... يرويه جيل غابر عن جيل
يا قبره كم فيك غيب من ندى .... غمر ومجد في التراب أثيل
يا قبره كم فيك غيب من شبا .... عزم ورأي في الأمور أصيل
* إشارة إلى كتابه: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية
** إشارة إلى هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم
صفحة ١٠
الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونسأله أن يهيدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين وأن يحفظنا من مظلات الفتن ومن موالاة المحادين والقاسطين والمارقين ويعيذنا من الغلو والشطط ويجعلنا من خير أهل الإنصاف من الأمة الوسط وأن يصلي وسليم على نبيه الأمي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ومحبيهم ومتبعي سبيلهم من الأولين والآخرين وأن يجعلنا معهم وفيهم إنه أرحم الراحمين بمنه وكرمه آمين آمين آمين
أما بعد فقد تكرم الله علي وله الفضل والمنة بمطالعة كثير من متون كتب السنة الفينة بعد الفينة في فرض اختلستها من بين أيدي الأشغال وفي أوقات استراحتي من ضروريات الأعمال فاستفدت منها ولله الحمد فوائد جمة وتضاعفت علي ببركة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وببركة حديثه المنحة والنعمة واحتجت إلى البحث في بعض الأسانيد والفحص عن رجالها الصناديد فقرأت شيئا من كتب أهل الجرح والتعديل فلمحت فيها بعض ما يوجب العتاب والعتاب من موجبات ثبات المحبة بين الأحباب إذ رأيتها خاوية الوطاب من النقل عن أهل البيت الطاهر ومن الرجوع إلى أحد من أئمتهم الأكابر في تعديل العدل وجرح الفاجر
بل رأيت فيها جرح بعضهم لبعض الأئمة الطاهرين بما لا يسوغ الجرح به عند المنصفين أو بما يحتملون ما هو أشد منه بمراتب للخوارج والنواصب المبعدين رأيتهم إذا ترجموا لسادات أهل البيت أو لمن تعلق بهم اختزلوا الترجمة غالبا وأوجزوا وإذا ترجموا لأضدادهم أو لأذناب أعدائهم أطالوا ولعذرهم أبرزوا ومن المعلوم ما يوهمه الاختزال وما يفهم من الإسهاب والاسترسال رأيت فيها توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعي مطلقا ورأيت ورأيت
لقد رابني من عامر أن عامرا .... بعين الرضا يرنو إلى من جفانيا
يجيء فيبدي الود والنصح غاديا .... ويمسي لحسادي خليلا مؤاخيا
فيا ليت ذاك الود والنصح لم يكن .... ويا ليته كان الخصيم المعاديا
صفحة ١١
فهالني هذا الصنيع وأفظعني ذلك الحكم واستغربته كل الاستغراب وقلت إن هذا لهو التباب غير أنه ظهر لي أن الكثير من المتقدمين بعض أعذار سوغت لهم ما سوغت وقلدهم المتأخرون هيبة الانفراد عنهم وفرقا من أن ينبزوا بالرفض وقد كان في بعض الأعصار خير للإنسان أن يتهم بالكفر فضلا عما دونه من أن يتهم بموالاة علي وأهل بيته (عليهم السلام)
وأقدم قبل الشروع في الانتقاد ثنائي الجميل لأولئك النقاد فلقد جاهدوا أشرف جهاد ولم يزالوا مردود عليه وارد والعصمة لمن اختصه الله بها من صفوة العباد فلا وصمة عليهم فيما نشير إليه مما نرى أنهم أخطأوا فيه السداد لا سيما وقد اضطر كثير من المتقدمين إلى التقية بمجاراتهم أهل الشوكة والعصبية لتسلم نفوسهم من كثير وأعضاؤهم من القطع وأجسادهم من التعذيب وابشارهم من التمزيق وشعورهم من المواسي وأرجلهم من العرقبة والقيود وبيوتهم من الهدم وأعراضهم من الهتك وعدالتهم من الجرح وليتلقى ما يرونه بالقبول
وقد صدرت من بعضهم فلتات حملهم عليها إيمانهم القوي وحبهم الثابت للنبي والوصي ولأهل البيت الزكي عليهم الصلاة والسلام فرووا أحاديث مما جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل آله الاعلام وشيعتهم الكرام وفي ذم أعدائهم الطغام المنافقين اللئام فاستهدفوا للمحنة والفتنة ونالتهم إلا من عصم الله الأيدي والألسن والأسنة وادخر الله لهم أجرهم عنده في الجنة وسلم قليل منهم بعد المخاطرة فربح الدنيا والآخرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
صفحة ١٢
وقد زالت ولله الحمد الموانع عن إظهار الحق فلم يبق عذر في إخفائه للعالم به فكتبت هذه الأوراق لتكون تذكرة لي ولأمثالي وسميتها: (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) واشترط على كل من يقف عليها أن يفحص ما أنقله وما أقوله فيها ويعرضه قبل اعتقاده والعمل به على محكم كتاب الله جل جلاله وعلى صحيح سنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يقبل من ذلك ما شهدا له بالصحبة وينبذ غيره وليعذرني العالم الخبير في التقصير الكثير فإني مقر ومعترف بقلة البضاعة وكثرة الإضاعة وبأني طفيلي في هذه الصناعة ان أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
ويشتمل هذا الكتاب على مقدمة وستة أبواب وتكميل وخاتمة ففي المقدمة نرد توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعي مطلقا ونوضح بطلان ما اعتمدوه من ذلك وفي الأبواب نذكر نموذجا مما أوردوه من جرحهم بعض أئمة أهل البيت الطاهر وأتباعهم وما يقابل ذلك من تعديلهم أعداء آل بيت النبي (ص) وأذنابهم مع نكات تذكر استطرادا وفي التكميل نذكر شيئا مما قالوه فيمن عادى أو ذم بعض من يجلونه وفي الخاتمة نعتذر لبعض من تقدم في أخذهم بالتقية
ولم أقصد بما أورده في هذه الوريقات ترجمة من أذكرهم أو التعريف بهم وذكر ما لهم وعليهم فلذلك لم أذكر هنا كل ما ذكروه عنهم ولم أبين نتيجة لذلك الجرح وصحته أو بطلانه أو الاختلاف في ذلك فمن أراد هذا فليطلبه من مظانه وما قصدي إلا تنبيه الغافل وتذكير العاقل ليتولى بنفسه تدقيق البحث عن حال من يريد أن يجعل روايته حجة فيما يدين به ربه جل وعلا ويرتضيه أمام يوم المدعى كل أناس بإمامهم ولا يكون كالأعمى تتقاذفه الأهواء الذي يحتقب دينه الرجال تنبيه
صفحة ١٣
لم أتعرض في كتابي هذا لذكر تحامل بعضهم على عالي مقام مولانا أمير المؤمنين علي والحسنين وأمهما البتول عليهم سلام الله ولا لرد ما مدحوا به زورا عدوهم معاوية وأباه كهف المنافقين وأمه آكلة الأكباد وعمرا ابن العاص والمغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب وأبا الأعور السلمي والوليد بن عقبة وأضرابهم ممن لو مزجت مياه البحار بذرة من كبائر فظائعهم لأنتنت وذلك لظهور فساده للعاقل المنصف ولأني قد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب (النصائح الكافية) ثم في كتاب (تقوية الإيمان) وجمعت في مذكرتي الكبرى ثمرات المطالعة كثيرا من هذا القبيل مما نقله حفاظ الحديث وأئمة التاريخ من أهل السنة في كتبهم المعتبرة تركت التعرض لذلك هنا إيثارا للاختصار.
تنبيه ثان
الرموز المرقمة بأول التراجم نقلت عن كتاب (تهذيب التهذيب) للحافظ ابن حجر رحمه الله.
تنبيه ثالث
جل ما في الكتاب من ذكر الآل في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من صنيعنا تجنبا للصلاة البتراء المنهي عنها في الحديث الصحيح.
صفحة ١٤
مقدمة:-
كلام ابن حجر العسقلاني في توثيق الناصبة وجرح الشيعة
في ذكر ما اعتذروا به عن توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعة مطلقا واحتجاجهم لذلك ثم بيان فساد ذلك وبطلانه فنقول: لا نطيل الكتاب بذكر ما تطاول به ابن حزم ولا ما تفلسف به ابن تيمية ولا ما هذي به ابن حجر المكي مما يدخل في هذه المواضيع لوضوح فساده ونكتفي بنقل كلام العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله لأنه زبدة ما احتجوا به ولآنه مما قد يروج قبل التأمل ثم نرده جملة إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في (تهذيب التهذيب) :
((وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعة مطلقا ولا سيما أن عليا ورد في حقه: لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب وهو كونه نصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض والحب بالعكس وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالبا والخبر في حب علي وبغضه ليس على العموم فقد أحبه من أفرط فيه حتى أدعى أنه نبي أو إله تعالى الله عن أفكهم والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد في حق الأنصار وأجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاق وبالعكس فكذا يقال في حق علي وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار، والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا (رض) قتل عثمان أو كان عليه فكان بغضهم له ديانة بزعمهم ثم انضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي)).اه كلام ابن حجر
وقبل الشروع في نقض كلامه لا بد من تمهيد فنقول:
صفحة ١٥
قد اختلف كلام أهل الجرح والتعديل في تحديد ما تجرح به عدالة الراوي وفي تعريف الشيعي الرافضي ورجح بعضهم ما وافق مشربه ولم يرجعوا إلى أصل متفق عليه، تعرف هذا مما ننقله من كلامهم فقد ذكر الشيخ ابن حجر العسقلاني في مقدمة (فتح الباري) التشيع في ألفاظ الجرح ثم قال: ((والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي)).اه ولا يخفى أن معنى كلامه هذا أن جميع محبي علي المتقدمين له على الشيخين روافض وأن محبيه المقدمين له على من سوى الشيخين شيعة وكلا الطائفتين مجروح العدالة وعلى هذا فجملة كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد وزيد بن أرقم وسلمان وأبي ذر وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وعمار وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وابي أيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبي الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وقيس بن سعد وأبي الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنيه وبني هاشم كافة وبني المطلب كافة وكثير غيرهم روافض لتفضيلهم عليا على الشيخين ومحبتهم له ويلحق بهؤلاء من التابعين وتابعي التابعين من أكابر الأئمة وصفوة الأمة من لا يحصى عددهم وفيهم قرناء الكتاب وجرح عدالة هؤلاء هو والله قاصمة الظهر ولعل لكلام الشيخ محملا لم نقف عليه ويبعد كل البعد إرادته لظاهر معنى كلامه هذا لعلمه ودينه وفضله.
تناقض كلام ابن حجر
وذكر في (لسان الميزان) ما يخالف هذا فقال:
((فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من يتكلم في عثمان والزبير وطلحة وطائفة ممن حارب عليا (رض) وتعرض لسبه والغالي في زماننا وعرفننا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضا فهذا ضال مفتري)).اه
وعلى أن في قوله ((فالشيعي)) إلى قوله ((وطائفة ممن حارب عليا (رض) وتعرض لسبه)) غموضا لأن لفظ الطائفة يصدق على الواحد فأكثر فما تفسيره هنا ؟
أهي أم المؤمنين عائشة وحدها ؟
أم من عدا أهل النهروان من الناكثين والقاسطين ؟
صفحة ١٦
وعليه يكون الحسنان وعمار ومن معهم ممن صح عنهم لعن القاسطين غلاة وقوله ((وتعرض لسبه)) يحتمل عود الضمير في ((تعرض)) إلى فاعل ((حارب)) والضمير في ((لسبه)) يعود على علي (عليه السلام) وعليه يكون لعن وسب الذين يلعنون ويسبون عليا من الغلو ويحتمل أن يعود الضمير ويحتمل أن يعود الضمير في ((تعرض)) إلى علي (عليه السلام) وعليه يكون الاقتداء بعلي في سب من سبه علي من الغلو وكل هذا مخالف للأدلة الصحيحة الصريحة ولهدي وعمل من أمرنا بالتمسك بهم فتأمل!!.
وذكر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة مصدع المعرقب ما لفظه:
)) قلت إنما قيل له (المعرقب) لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي فأبى فقطع عرقوبه قال ابن المديني قلت لسفيان: في أي شيء عرقب ؟ قال: في التشيع ((.اه
ثم قال ((ذكره الجوزجاني في الضعفاء يعني المعرقب فقال زائغ جائر عن الطريق يريد بذلك ما نسب إليه من التشيع والجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف فلا يقدح فيه قوله)).اه
ومن هذا تعرف أن التشيع الذي يعرقب المتصف به يكون زائغا جائرا عن الطريق عند أمثال الجوزجاني هو الامتناع عن سب مولى المؤمنين (عليه السلام) ومما نقلناه يظهر لك الاضطراب في كلامهم فإليك الكلام في اعتذار العلامة ابن حجر العسقلاني عن النواصب قال رحمه الله تعالى:
صفحة ١٧
)) وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالبا)).اه وأقول كلام الشيخ هذا وجيه واستشكاله صحيح لأن ذلك الصنيع عنوان الميل والجور والشيخ من أهل الإطلاع والحفظ وهو ثقة فيما يرويه فاعترافه هنا دليل واضح وحجة ثابتة على صنيع القوم وهو مع ذلك علامة فشو النصب وشيوعه وغلبة أهل في تلك الأيام وألف الناس له وميلهم إليه حتى استمروا مرعاه الوبيل واعتادوا سماع سب أخي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخف عليهم وقعه مع أنه سب لله جل جلاله وسب لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم تنب عنه أسماعهم ولم تنكره قلوبهم وجمدوا على ذلك واستخفوا به لأنه صار أمرا معتادا وفاعلوه أهل الرياسة والصولة
أفبعد الاعتراف بتوثيقهم الناصبي غالبا وهو منافق بشهادة النبي يجوز لنا التقليد بدون بحث وتدقيق فنقبل ما زعموا صحته ؟ كلا بل الواجب البحث والتدقيق والاحتراس الشديد وأن لا نغتر بشيء مما رووه بإسناد فيه ناصبي وإن جل رواته عنه وكثر المغترون والمحتجون به والجازمون بصحته اللهم إلا ما شهدت بصحته القرائن أو تواتر أو عضده ما يكسبه قوة أو كان مما يشهد عليهم بالضلال وعلى مذهبهم بالبطلان.
رد قول أبي داود في تصحيح رواية الناصبة
وأما قول أبي داود ((ليس في أهل الأهواء أصح حديثا)) فهو خطأ بل باطل وقد رده الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى فقال في (تهذيب التهذيب) :
(( وأما قول أبي داود ((إن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثا)) فليس على إطلاقه فقد حكى ابن أبي حاتم عن القاضي عبدالله بن عقبة المصري وهو ابن لهيعة عن بعض الخوارج ممن تاب: إنهم إذا هووا أمرا صيروه حديثا)).اه وقال في لسان الميزان بعد ذكره ما نقلناه عنه آنفا عن تهذيب التهذيب ما لفظه:
صفحة ١٨
(( حدث بهذا عبد الرحمن بن مهدي الامام ابن لهيعة فهي من قديم حديثه الصحيح انبأنا بذلك ابراهيم بن داود شفاها انبأنا ابراهيم بن علي انبأنا محمد بن محمد كتابة انبأنا أبو الحسن بن أحمد انبأنا أبو نعيم حدثنا أحمد بن اسحق بن عبدالرحمن بن عمر حدثنا ابن مهدي بها (يعني بأن الخوارج إذا هووا أمرا صيروه حديثا) قلت: قلت: وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل إذ بدعة الخوارج كانت في صدر الإسلام والصحابة متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه فربما سمعه الرجل السني فحدث به ولم يذكر من حدث به تحسينا للظن به فيحمله عنه غيره ويجيء الذي يحتج بالمقاطيع فيحتج به ويكون أصله ما ذكرت فلا حول ولا قوة إلا بالله )).اه كلام ابن حجر
وأقول: أنصف الشيخ هنا ولكنه نسي هذا عندما هب للدفاع عن سابقيه فكتب ما نحن بصدد تبين الحق فيه وما لا مرية فيه أن ما زعموا صحته من مرويات النواصب أظهر بطلانا من المراسيل لأنه قد جاء من رواية منافق بيقين لأنه قد صح أن عليا لا يبغضه إلا منافق والله جل جلاله يقول { والله يعلم إن المنافقين لكاذبون } والمرسل إنما فيه احتمال أن يكون فيمن طوى الراوي ذكر اسمه ناصبي وأين هذا من ذاك.
صفحة ١٩
كفر ابن ملجم
فمن الغرابة بمكان أن يقول مسلم أن الخوارج من أصح أهل الأهواء حديثا بل هم أكذب من دب ودرج وأذنابهم منهم ومن شاء أن يعرف صحة هذا فليباحثهم أو ليطالع كتبهم المعتمدة عندهم يجدهم يجزمون بأن من نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنه أشقى الآخرين عبدالرحمن بن ملجم قاتل صنو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقي من أهل الفضل والدين بل ويشهد له بالجنة كثير منهم ويعتقدون أن ذا الخويصرة الخبيث من المشهود لهم بالجنة وأن أهل النهروان خيار بررة وهم المارقون من الدين قطعا بنص الأحاديث الصحيحة العديدة ويزعمون أن الامام الحسن بن علي وابن عباس (عليهم السلام) منهم إلى كثير من كذبهم الواضح المكشوف وكفى بقولهم فيمن هو نفس النبي وصنوه وأخوه شاهدا على زورهم وفجورهم
إن أشقى الأولين وهو عاقر الناقة لا ينازع في كفره مسلم فهل يكون أشقى الآخرين مسلما وفي المتأخرين من الكفار ألوف ألوف الألوف فيكون المسلم أشقى من الكافر ؟
وقد زعم بعضهم أنه كان متأولا أفكل تأويل يعذر به منتحله وينتفع به ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم
ومن عرف ما اعترف به الشيخ من صنيع القوم وعرف ما قلناه لا يبقى عنده شك في أن كثيرا مما صححوه من مرويات النواصب كذب موضوع ومروجيه شركاء واضعيه والمناضل عنهم منهم إذا عملوا جلية الحال وتعمدوا.
صفحة ٢٠
وضع أهل السنة فضائل معاوية والشيخين
ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى ((وتوهينهم الشيعة مطلقا)).اه
أقول: استشكاله هنا واضح وجيه إذ كيف يسوغ أن يعد التشيع المحمود المأمور به مما توهن به عدالة المتصف به والصواب إن شاء الله تعالى إن العدالة الكاملة لا تحصل إلا به فكل ما وهنوه أو جرحوه لمجرد تشيعه الحسن أو كان جارحوه من النواصب أو ممن يتهم في أمر الشيعة المرضية لاختلافه وإياهم في المذهب والعقيدة لا يلتفت المنصف إلى ذلك الجرح ولا يبالي بذلك التوهين بالنسبة لمن حسنت حاله وظهرت عدالته وهذا الحكم بالنسبة إلى عموم الرواية وأما بالنسبة لخصوص ما يتعلق برواية مناقب أهل البيت الطاهر (عليهم السلام) ومثالب أعدائهم فينبغي أن يتلقى بالقبول جميع مرويات من سوى الوضاعين والمشهورين بالكذب.
صفحة ٢١