عصر الظهور
الشيخ علي الكوراني العاملي
--- [ 1 ]
صفحة ١
عصر الظهور
تأليف علي كوراني
--- [ 2 ]
صفحة ١
الناشر: مركز النشر مكتب الاعلام الاسلامي
الطبعة: الاولى تاريخ النشر: شعبان 1408
--- [ 3 ]
صفحة ٢
بسم الله الرحمن الرحيم
ونريد ان من على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين
--- [ 13 ]
صفحة ٣
مقدمة بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران ارتفع مؤشر الاهتمام بعقيدة المهدي المنتظر عليه السلام في شعوب العالم الاسلامي.. بالسؤال عنه، والحديث حوله، والقراءة، والتأليف. بل وفي غير المسلمين أيضا، حتى شاع الطريفة التي تقول إن وكالة المخابرات الامريكية قد نظمت ملفا فيه كل المعلومات اللازمة عن الامام المهدي، ولم يبق أمامها إلا أن تحصل على صورته فقط ! ولعل أكبر حدث سياسي يتعلق بعقيدة المهدي في هذه الفترة ثورة الحرم المكي الشريف في مطلع عام 1400 ه بقيادة محمد عبد الله القرشي، حيث سيطر أنصاره على الحرم، وأذاع معاونه جهيمان من داخله بيانا دعا فيه المسلمين إلى بيعة القرشي، وباعتباره المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله. وقد استمر احتلالهم للحرم ومقاومتهم القوية عدة أيام، ولم تستطع الحكومة السعودية أن تتغلب عليهم إلا بعد أن استدعت فرقة كوماندوس خاصة من فرنسا ! كما أن أكبر عمل اعلامي يتعلق بعقيدة المهدي مباشرة، صدر عن أعدائنا في هذه المدة، فيلم " نوشتر آداموس " الذي بثته شبكات التلفزيون الامريكية قبل أربع سنوات، على مدى ثلاثة أشهر متواصلة.. وهو فيلم عن قصة حياة المنجم والطبيب الفرنسي " ميشيل نوستر آداموس " الذي عاش قال نحو 500 سنة وكتب نبوءاته عن المستقبل، وأهمها نبوءته بظهور حفيد
--- [ 14 ]
صفحة ١٣
للنبي صلى الله عليه وآله من مكة، يوحد المسلمين تحت رايته، وينتصر على الاوربيين، ويدمر المدينة أو المدن العظيمة في الارض الجديدة.. ويبدو أن " اللوبي " الصهيوني والمخابرات الامريكية كانتا وراء صناعة هذا الفيلم، وأن هدفهم منه تعبئة الشعب الامريكي والشعوب الاوربية ضد ايران والمسلمين، باعتبارهم الخطر الذي يهدد الغرب وحضارته، خاصة إذا لاحظنا الاضافة التي زادوها على نبوءة نوستر آداموس، وهي أن أمريكا - بعد هزيمة أوربا على يد الامام المهدي عليه السلام، وتدمير صواريخه الضخمة لواشنطن وغيرها من مدنها - تتوصل إلى اتفاق مع روسيا لمواجهته، وتتمكنان بالنتيجة من تحقيق الانتصار عليه ! ومع أن القيمة العلمية للكتاب ومؤلفه موضع بحث ومناقشة، فهو مجموعة تنبوءات كتبها بلغة فرنسية قديمة، وأسلوب رمزي مبهم، يقبل تفسيرات مختلفة. ومن المرجح عندي أن يكون كاتبها اطلع على بعض مصادرنا الاسلامية عن المهدي المنتظر عليه السلام، أو التقى بعض علمائنا، خاصة أنه عاش فترة من عمره في ايطاليا وجنوب فرنسا، وربما في الاندلس. ولكن كتابه سرعان ما انتشر بعد انتصاره الثورة الاسلامية، وظهرت طبعاته بشروح وتفاسير عديدة، بمئات آلاف النسخ، وقيل بالملايين، ثم تحول إلى فيلم سينمائي جرى عرضه في شبكات التلفزيون على ملايين المشاهدين الامريكيين والاوربيين. المسألة عند الغربيين ليست اعتقادهم بالمسيح أو المهدي عليهما السلام، ولا اعتقادهم بصحة تنبوءات نوسترآداموس أو غيره من المنجمين. بل اعتقادهم بخطر البعث الاسلامي وحضارته الربانية التي تهدد حضارتهم المادية وتسلطهم الظالم على شعوب العالم. ولدا تراهم يتلقفون أي مادة اعلامية ليقرعوا بها أجراس الخطر في مسامع شعوبهم، ويشدوا أنظارها إلى الموج الجديد الاتي من ايران من ومكة ومصر وبلاد المسلمين. لكي يضمنوا موافقه شعوبهم وتأييدها لجيمع اجراءاتهم وخططهم الاستعمارية التي ينفدونها فعلا، أو قد ينفذونها مستقبلا، لضرب حركة الثورة الاسلامية في هذا البلد أو ذاك.
--- [ 15 ]
صفحة ١٤
والمسألة عند اليهود أن يصعدوا درجة مخاوف الغربيين من خطر البعث الاسلامي مهما استطاعوا، ليدفعوا بذلك خطره عن أنفسهم، ويقولوا بذلك للغربيين إنما المستهدف حضارتكم الغربية، وانما اسرائيل خط دفاعكم الاول. فأعداؤنا إذن، مضطرون بحسب اعتقادهم " للدعاية " للامام المهدي عليه السلام، وصناعة الافلام حوله ! وسوف يزداد اضطرارهم إلى ذلك لمواجهة هذا المد الاسلامي المتطلع إلى قائده الموعود، ومواجهة هذا القائد إذا كان أمره صحيحا وظهر. وهم بذلك يمهدون له عليه السلام برعبهم منه، ويبعثون فينا التحفز والشوق إلى حفيد النبي صلى الله عليه وآله الطالع من عند الكعبة، ويبلغ المسلم غاية شوقه وتحفزه عندما يرى في فيلم نوستر آداموس الامام المهدي عليه السلام يدير معركته مع أئمة الكفر العالمي من غرفة عملياته مع كبار جنرالاته على حد تعبير الفيلم، فتنطلق صورايخه العملاقة من قلب صحراء الحجاز، لتدك معاقل الكفر والاستعمار في أمريكا وأوربا. ولكن هذه الانعكاسات لعقيدة المنتظر أرواحنا فداه، انما هي الصدى. أما الصوت والعمل الاكبر لقضيته، فهو هذه الثورة الكاسحة التي قامت بها ايران بإسمه، ومن أجل تهيئة المنطقة والعالم لظهوره السعيد. ثم أخذت شرارتها تنقدح هنا وهناك في بلادنا الاسلامية. في ايران تشعر أن حضور المهدي المنتظر عليه السلام، هو الحضور الاكبر من كل قادة الثورة وعلمائها. فهو القائد الحقيقي للثورة والدولة، وانما الامام الخميني وكيله ونائبه الذي يذكر إسمه باحترام عظيم وتقديس فيقول: أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ويقول انما البلد بلده، وغاية ما نرجوه أن نكون أمناء ونسلم البلد إلى صاحبه الاصلي عليه السلام. وفي ضمائر الناس في ايران، وفي شعاراتهم، وأسماء أبنائهم، ومؤسساتهم، وشوارعهم، ومحالهم التجارية. الامام المهدي هو السيد الحاضر بقدسية. وفي ضمير المقاتلين، الذين يذبون إليه شوقا ودموعا، ويرونه في منامهم، ويرون
--- [ 16 ]
صفحة ١٥
ملائكته في يقظتهم، ويستشرفون بأرواحهم التشرف بلقائه في طريق القدس. إن مخزون الشوق والحب والتقديس الذي يملكه الامام المهدي أرواحنا فداه في قلوب الشيعة، وقلوب عامة المسلمين، لا تملكه اليوم شخصية على وجه الارض. وسوف تزداد هذه الشعبية والاهتمام بأمره، حتى ينجز الله تعالى وعده، ويظهر به دينه على الدين كله. قبل بضع سنوات كتبت كتاب " الممهدون للمهدي " وكان محوره الاحاديث الواردة في مصادر السنة والشيعة عن الحركة الاسلامية الموعودة في بلاد المشرق، على يد الفرس، وقوم سلمان، وأهل خراسان، ودورها في التمهيد للمهدي المنتطر عليه السلام. ومع أن الكتاب لاقى قبولا، وطبع في أكثر من بلد، ولكنه لا يكفي ولا يروي عطش المسلمين للتعرف على الامام المهدي، وعصر ظهوره، وحركته المقدسة. فجمهورنا المسلم يريد أن نقدم له صورة شاملة عن قضية المهدي، بأسلوب مسلسل ميسر، بعيد عن الاختصار المخل، والتطويل والبحث العلمي الممل. وهي مسؤولية على عاتق العلماء الافاضل من الشيعة والسنة، ليكون بين أيدي المسلمين عدة تصورات من اجتهادات علمائهم عن المهدي عليه السلام، تتفاعل في أذهانهم ووجد انهم، وتتبلور مع تطور حركة الاسلام وصحوته. والى جانب هذا النوع من الكتابة عن الامام المهدي عليه السلام، نحتاج إلى الدراسات والبحوث العلمية التحقيقية لاحاديثه وموضوعاته المعتددة. ومقدمة ذلك عمل معجم مفهرس لاحاديثه المبثوثة في نحو خمسين مصدرا من مصادر الدرجة الاولى بين مخطوط ومطبوع، سوى مصادر الدرجة الثانية من مؤلفات العلماء في القرون المتوسطة والمتأخرة. فإن من شأن هذا المعجم أن يسهل على الطلاب والعلماء الرجوع إلى النصوص الاسلامية في المهدي، وتقديم بحوثهم وموضوعاتهم إلى العلماء والى جماهير الامة. وقد تقبلت
--- [ 17 ]
صفحة ١٦
القيام بهذا العمل " مؤسسة المعارف الاسلامية " في قم المشرفة، وتم استخراج الاحاديث من أكثر من مئة مصدر، ويشمل المعجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام مع ذكر مصادرها، ثم معجم موضوعات الامام المهدي، ثم معجم ألفاظ الاحاديث، ومعجم الاعلام والامكنة. ان شاء الله تعالى. إن الهدف من هذا الكتاب، تقديم صورة عن عصر الامام المهدي عليه السلام وحركته المقدسة، مستفادة من الايات والاحاديث الشريفة. وقد حرصت على مراجعة نصوصها من مصادرها مباشرة بعد أن تفاجأت بكتاب طبع في لبنان وانتشر بين الناس لكثرة ما جمع من أحاديث، عندما راجعت عشرات الموارد من مصادره التي يذكرها المؤلف في الهامش، فوجدت العجب العجاب ليس في نسبة الاحاديث إلى مصادرها وحسب، بل في متونها التي أجاز المؤلف لنفسه أن يقطعها ويوصلها ويغير بعض ألفاظها ! وقد اكتفيت غالبا بذكر مصدر أو اثنين للحديث الشريف، لان غرض الكتاب عرض الصورة العامة عن عصر الظهور وحركته، وليس التحقيق في مصادر الاحاديث وصحتها. آمل أن يكون هذا الكتاب " عصر الظهور " خدمة للاسلام، وجماهيره المباركة، المتعطشة إلى التعرف على قائدها الموعود على لسان نبيها وآله، صلى الله عليه وآله، وأن يتقبله الله تعالى في أعمال التمهيد لحجته ووليه أرواحنا فداه. قم المشرفة 24 شوال 1407 علي الكوراني
--- [ 19 ]
صفحة ١٧
صورة عامة لعصر الظهور
مع أن القرآن الكريم هو معجزة نبينا صلى الله عليه وآله الخالدة المتجددة في كل عصر وجيل . فإن من معجزاته المتجددة أيضا ما أخبر به صلى الله عليه وآله عن مستقبل الحياة ومسيرة الاسلام فيها. إلى ان يجئ عصره الموعود، فيظهره الله على الدين كله، ولو كره المشركون ولو كره الكافرون وعصر ظهور الاسلام هذا، هو موضوع هذا الكتاب. وهو نفسه عصر ظهور الامام المهدي الموعود عليه السلام، لا فرق بينهما في أحاديث البشارة النبوية التي تبلغ مئات الاحاديث، والتي رواها الصحابة والتابعون وأصحاب الصحاح والمجاميع على اختلاف مذاهبهم. بل هي تزيد على الالف حديث إذا أضفنا إليها أحاديث الائمة من أهل البيت عليهم السلام، وان لم يسندوها دائما إلى النبي صلى الله عليه وآله لانهم صرحوا مرارا بأن ما يحدثون به فهو عن آبائهم الطاهرين، عن جدهم خاتم النبيين، صلى الله عليه وآله وسلم. والصورة التي ترسمها هذه الاحاديث الشريفة لوضع العالم في عصر الظهور، وخاصة لوضع منطقة الظهور، التي تشمل اليمن والحجاز وايران
--- [ 20 ]
صفحة ١٩
والعراق وبلاد الشام وفلسطين ومصر والمغرب. صورة شاملة، فيها الكثير من الاحداث الكبرى، والعديد من التفاصيل، وأسماء الامكنة، والاشخاص. وقد سعيت أن أستخلصها من النصوص بأكثر ما يمكن من الوضوح والتسلسل والدقة، لتكون في متناول جماهيرنا المسلمة المباركة. وفي هذا الفصل أعرض خلاصة عنها لتكون صورة عامة لعصر الظهور، قبل الدخول في تفاصيله. تذكر الاحاديث الشريفة أن حركة ظهور الامام المهدي أرواحنا فداه تبدأ في مكة المكرمة بعد تمهيدات عالمية واقليمية. فعلى الصعيد العالمي يكون صراع بين الروم (الغربيين) وبين الترك أو إخوان الترك كما تسميهم الاحاديث، والذين يظهر أنهم الروس، حتى يصل الامر بينهم إلى حرب عالمية. على صعيد المنطقة، تقوم دولتان مواليتان للمهدي عليه السلام في ايران واليمن. أما أنصاره الايرانيون فتقوم دولتهم قبله بمدة، ويخوضون حربا طويلة وينتصرون فيها. ثم يظهر فيهم قبيل ظهوره عليه السلام شخصيتان هما السيد الخراساني القائد السياسي، وشعيب بن صالح القائد العسكري، ويكون للايرانيين بقيادتهما دور هام في حركة ظهوره عليه السلام. واما أنصاره اليمانيون فتكون ثورتهم قبل ظهوره عليه السلام ببضعة أشهر. ويبدو أنهم يساعدون في مل ء الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز، كما يساعدون في حركة ظهوره عليه السلام. وسبب هذا الفراغ السياسي في الحجاز أنه يقتل ملك سفيه من آل فلان اسمه " عبد الله " فيكون آخر ملوك الحجاز، ويختلفون بعده على
--- [ 21 ]
صفحة ٢٠
خليفته، ويستمر اختلافهم إلى ظهور المهدي عليه السلام " اما إنه إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الامر دون صاحبكم إنشاء الله، ويذهب ملك السنين، ويكون ملك الشهور والايام. قال أبو بصير فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلا ". ويتحول الخلاف بعد مقتل هذا الملك إلى صراع بين قبائل الحجاز " إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين. قلت وأي شئ يكون الحدث ؟ فقال: عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا " أي يقتل شخص خمسة عشر زعيما أو شخصية، من القبيلة المعادية له، أو من أبناء زعيم معروف معادين له. في هذه الاثناء تبدأ آيات ظهور المهدي عليه السلام، ولعل أعظمها النداء من السماء باسمه في الثالث والعشرين من شهر رمضان " قال سيف بن عميرة: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة لابد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب. فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا ؟ قال: إي والدي نفسي بيده، لسماع أذني له. فقلت له: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا ! قال ياسيف، إنه لحق، فإذا كان ذلك فنحن أول من يجيب، أما إنه نداء إلى رجل من بني عمنا. فقلت: رجل من ولد فاطمة عليها السلام ؟ قال: نعم يا سيف، لولا اني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي ولو يحدثني به أهل الارض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي ". بعد هذا لنداء السماوي يبدأ المهدي عليه السلام بالاتصال ببعض حوارييه وأنصاره، ولكن بشكل سري، ويكثر الحديث منه في العالم ويلهج الناس بذكره " ويشربون حبه " كما تذكر الاحاديث، ويتخوف أعداؤه من
--- [ 22 ]
صفحة ٢١
ظهوره فينشطون في البحث عنه. ويشيع عند الناس أنه يسكن المدينة المنورة، فتستدعي حكومة الحجاز أو القوى الخارجية جيش السفياني من سورية، من أجل ضبط الوضع الداخلي في الحجاز، وإنهاء صراع القبائل فيه على السلطة. ويدخل هذا الجيش إلى المدينة المنورة فيلقي القبض على كل هاشمي تصل يده إليه، ويقتل الكثير منهم ومن شيعتهم، ويحبس الباقين " ويبعث (اي السفياني) بعثا إلى المدينة فيقتل بها رجلا، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا أخذ وحبس. ويخرج الجيش في طلب الرجلين، ويخرج المهدي منها على سنة موسى عليه السلام خائفا يترقب، حتى يقدم مكة ". وفي مكة يواصل المهدي عليه السلام اتصالاته ببعض انصاره. حتى يبدأ حركته المقدسة من الحرم الشريف في ليلة العاشر من محرم بعد صلاة العشاء، حيث يلقي بيانه الاول على أهل مكة، فيحاول أعداؤه قتله، ولكن أنصاره يحيطون به ويدفعونهم عنه، ويسيطرون على المسجد، ثم يسيطرون على مكة. وفي صبيحة اليوم العاشر من محرم يوجه الامام المهدي عليه السلام بيانه إلى شعوب العالم بلغاتهم المختلفة، ويدعوهم إلى نصرته. ويعلن أنه سيبقى في مكة حتى تحدث المعجزة التي وعد بها جده المصطفى صلى الله عليه وآله، وهي الخسف بالجيش الذي يتوجه إلى مكة للقضاء على حركته. وبالفعل تقع المعجزة الموعودة بعد فترة قصيرة حيث يتوجه جيش السفياني إلى مكة " حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به. وذلك قول الله عز وجل " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واخذوا من مكان قريب " " حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم. ويلحق بهم من خلفهم لينظر ما فعلوه فيصيبهم ما أصابهم ".
--- [ 23 ]
صفحة ٢٢
وبعد معجزة الخسف هذه، يتوجه الامام المهدي عليه السلام من مكة، بجيشه المكون من بضعة عشر ألفا، إلى المدينة المنورة فيحررها بعد معركة مع القوات المعادية التي تكون فيها. وبتحرير الحرمين يتم له فتح الحجاز والسيطرة عليه. وتذكر بعض الروايات أنه يتوجه بعد فتح الحجاز إلى جنوب ايران، حيث يلتقي بجيش الايرانيين وجمهورهم بقيادة الخراساني وشعيب بن صالح، فيبايعونه، ويخوض معهم عند البصرة معركة مع قوات معادية ينتصرون فيها نصرا مبينا. ويدخل الامام بعد ذلك إلى العراق، ويصفي أوضاعه الداخلية، فيقاتل بقايا قوات السفياني ويهزما، ويقاتل فئات الخوارج المتعددة ويقتلهم، ويتخذ العراق مركز دولته، والكوفة عاصمته. ويكون ذلك قد وحد اليمن والحجاز وايران والعراق وبلاد الخليج تحت حكمه. وتذكر الاحاديث أن أول حرب يخوضها الامام المهدي عليه السلام بعد فتحه العراق تكون مع الترك " أول لواء يعقده يبعثه إلى الترك فيهزمهم " والظاهر أن المقصود بالترك الروس، حيث يكونون خرجوا ضعفاء من الحرب العالمية مع الروم أي الغربيين. ثم يعد الامام المهدي عليه السلام جيشه الكبير ويزحف به نحو القدس، فيتراجع أمامه السفياني حتى ينزل جيش المهدي في " مرج عذراء " قرب دمشق، وتجري المفاوضات بينه وبين السفياني فيكون موقف السفياني أمامه ضعيفا، خاصة وان التيار الشعبي العام يكون إلى جانب الامام المهدي عليه السلام، ويكاد السفياني ان يسلم الامر إليه، كما تذكر الروايات، ولكن الذين وراءه من اليهود والروم ووزرائه يوبخونه،
--- [ 24 ]
صفحة ٢٣
يعبئون قواتهم يخوضون المعركة الكبرى مع الامام المهدي وجيشه، والتي تمتد محاورها من عكا في فلسطين إلى أنطاكية في تركيا ساحليا، ومن طبرية إلى دمشق والقدس داخليا. وينزل فيها الغضب الالهي على قوات السفياني واليهود والروم، فيقتلهم المسلمون حتى لو اختبأ أحدهم وراء حجر لقال الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. وينزل النصر الالهي على الامام المهدي والمسلمين فيدخلون القدس فاتحين. ويتفاجأ الغرب المسيحي بهزيمة اليهود وهزيمة قواته المساعدة لهم، على يد المهدي عليه السلام، فيستشيط غضبا ويعلن الحرب على الامام المهدي، ولكنه يتفاجأ بنزول المسيح عليه السلام من السماء في القدس، وببيانه الذي يوجهه إلى العالم والمسيحيين خاصة، ويكون نزوله عليه السلام آية للعالم يفرح بها المسلمون والشعوب المسيحية. ويبدو أن المسيح عليه السلام هو الذي يقوم بالوساطة بين المهدي عليه السلام والغربيين، فيتفقون على عقد هدنة سلام مدتها سبع سنوات " بينكم وبين الروم أربع هدن، تتم الرابعة على يد رجل من أهل (آل) هرقل، تدوم سبع سنن. فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستوربن غيلان: يا رسول الله، من إمام الناس يومئذ ؟ قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده الايمن خال، عليه عباءتان قطوانيتان، كانه من رجال بني اسرائيل. يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك ". ولعل السبب في أن الغربيين ينقضون هذه الهدنة بعد سنتين كما تذكر بعض الروايات، هو تخوفهم من التيار الشعبي الذي يحدثه المسيح عليه السلام في شعوبهم، فيدخل الكثيرون في الاسلام، ويظهر الكثيرون تأييدهم للامام المهدي عليه السلام. فيقوم الروم بهجوم مباغت على منطقة بلاد الشام وفلسطين بنحو مليون جندي " ثم يغدرونكم فيأتونكم تحت
--- [ 25 ]
صفحة ٢٤
ثمانين راية كل راية اثنا عشر ألفا " وتواجههم قوات المسلمين، ويعلن المسيح موقفه إلى جانب الامام المهدي عليهما السلام، ويصلي خلفه في القدس. وتدور المعركة معهم على نفس محاور معركة فتح القدس تقريبا، من عكا إلى انطاكية، ومن دمشق إلى القدس ومرج دابق، وتكون الهزيمة الساحقة على الروم، والنصر المبين للمسلمين. وبعد هذه المعركة ينفتح الباب أمام المهدي عليه السلام لفتح أوروبا والغرب المسيحي. ويبدو أن كثيرا من بلادها يتم فتحها بثورات شعوبها، حيث تقوم الشعوب بإسقاط حكوماتها المعادية للمسيح والمهدي عليهما السلام، وتقيم فيها حكومات موالية للمهدي عليه السلام. وبعد فتح المهدي الغرب ودخوله تحت حكمه. واسلام أكثر أهله، يتوفى المسيح عليه السلام فيصلي عليه الامام المهدي والمسلمون، ويقيم الامام المهدي عليه السلام مراسم دفنه دفنه والصلاة عليه بشكل علني على مرأي من الناس ومسمع، كما تذكر الروايات الشريفة، حتى لا يقول الناس فيه كما قالوا أول مرة، ويكفنه بثوب من نسج أمه الصديقة مريم عليها السلام، ويدفنه إلى جانب قبرها الشريف في القدس. وبعد فتحه العالم، وتوحيده في دولة اسلامية واحدة. يعمل الامام المهدي عليه السلام في تحقيق الاهداف الالهية في شعوب الارض، في المجالات المختلفة. فيقوم بتطوير الحياة المادية وتحقيق الغنى والرفاهية لجميع الناس. وبتعميم الثقافة ورفع مستوى الوعي الديني والدنيوي. وتذكر بعض الاحاديث أن نسبة ما يضيفه إلى معلومات الناس في العلوم نسبة خمس وعشرين إلى اثنين، حيث يضيف الخمس وعشرين جزءا من العلم ويضمها إلى الاثنين ويبثها في الناس سبعا وعشرين.
--- [ 26 ]
صفحة ٢٥
كما يتحقق في عصره انفتاح سكان الارض على سكان الكواكب الاخرى. بل تبدأ مرحلة انفتاح عالم الغيب على عالمنا عالم الشهادة، فيأتي أناس من الجنة إلى الارض ويكونون آية للناس. ويرجع عدد من الانبياء والائمة عليهم السلام إلى الارض في زمن المهدي عليه السلام وبعده، ويحكمون إلى ما شاء الله من الزمان. ويكون ذلك من علامات القيامة ومقدماتها. ويبدو أن حركة الدجال الملعون وفتنته، تكون حركة استثمار منحرفة لتطور العلوم، وحالة الرفاهية التي يصل إليها المجتمع البشري في عصر المهدي عليه السلام، فيستعمل الدجال أساليب متطورة من الشعوذة لاغراء المراهقين والمراهقات والنساء الذين يكونون أكثر أتباعه كما تذكر الاحاديث، ويحدث بذلك في العالم تيارا في الفتنة والتصديق بالاعيبه، ولكن الامام المهدي عليه السلام يكشف زيفه، ويقضي عليه وعلى أتباعه. هذه صورة عامة عن حركة المهدي الموعود عليه السلام وثورته العالمية. أما العصر الذي تحدث فيه، فهذه أبرز معالمه وأحداثه كما تذكرها الاحاديث الشريفة. من ذلك، الفتنة التي تذكر الاحاديث أنها تحدث على الامة الاسلامية وتصفها بأنها تكون آخر الفتن التي تمر عليها وأصعبها، حتى تنجلي بظهور المهدي المنتظر عليه السلام. من الملفت حقا أن الاوصاف الكلية والتفصيلية لهذه الفتنة تنطبق على فتنة الغربيين وسيطرتهم على بلاد المسلمين في مطلع هذا القرن، وعلى حلفائهم الشرقيين أيضا. فهي فتنة تشمل كل بلاد المسلمين وكل عائلة
--- [ 27 ]
صفحة ٢٦
فيها " حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم ال صكته " وتتداعي فيها الامم الكافرة على بلاد المسلمين كما يتزاحم الجائعون النهمون على مائدة دسمة " وعندها يأتي قوم من المغرب وقوم من المشرق فيلون أمرا أمتي " أي يحكمون بلاد المسلمين. وهي فتنة تبدأ من بلاد الشام، التي بدأ أعداؤنا منها مدهم الاستعماري المظلم، وسموها مركز الاشعاع الحضاري. وتنتج عنها فتنة تسميها الاحاديث الشريفة باسمها " فتنة فلسطين " وتصفها بأنها تمخض بلاد الشام مخض الماء في القربة " إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في بلاد الشام تردد الماء في القربة، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون " أي قليلون لكثرة ما يقتل منكم، بيد أعدائكم وبيد أنفسكم. وتصف الاحاديث أجيال أبناء المسلمين الذين ينشؤون على ثقافة هذه الفتنة حتى لا يكادون يعرفون غيرها. وتصف الحكام الجبابرة الذين يحكمون شعوب المسلمين بأحكام الكفر والاهواء، ويسومونهم سوء العذاب. وتسمي الروم أصحاب هذه الفتنة، وإخوان الترك الذين يرجح أن يكون المقصود بهم الروس، وأنهم عندما تتفاقم الاحداث في سنة ظهور المهدي عليه السلام، ينزلون قواتهم في الرملة بفلسطين وفي أنطاكية على الساحل التركي السوري، وفي الجزيرة عند الحدود السورية العراقية التركية " فإذا استثارت عليكم الروم والترك. ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الارض " " ستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة " وتذكر الاحاديث الشريفة أن بداية أمر ظهور المهدي عليه السلام يكون من ايران " يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني "
--- [ 28 ]
صفحة ٢٧
أي مبدأ التمهيد له عليه السلام على يد قوم سلمان أصحاب الرايات السود، وأن حركتهم تكون على يد " رجل من قم يدعو الناس إلى الحق. يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، لا يملون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون. والعاقبة للمتقين " وأنهم بعد خروجهم وثورتهم يطلبون من أعدائهم (الدول الكبرى) أن يتركوهم وشأنهم فلا يتركونهم " يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يقوموا. ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (اي المهدي عليه السلام) قتلاهم شهداء " وتذكر الاحاديث أنهم ينتصرون في حربهم الطويلة، ويظهر فيهم شخصيتان موعودتان يسمى أحدهما الخراساني وهو فقيه مرجع أو قائد سياسي، والثاني شعيب بن صالح وهو قائد عسكري، شاب أسمر خفيف اللحية من أهل الري، وأنهما يسلمان الراية إلى الامام المهدي عليه السلام، ويشاركان مع جيشهما في حركة ظهوره، ويكون شعيب بن صالح القائد العام لقواته عليه السلام. وتصف الاحاديث حركة في سوريا يقوم بها " عثمان السفياني " الموالي للروم والمتحالف مع اليهود، وأنه يوحد سوريا والاردن تحت حكمه " السفياني من المحتوم، وخروجه من أوله إلى آخره خمسة عشر شهرا. ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوما " والكور الخمس تشمل بالاضافة إلى سوريا، الاردن كما تدل الاحاديث، ويحتمل أن تشمل لبنان. ولكن هذه الوحدة التي يحققها السفياني لبلاد الشام تكون وحدة غير مباركة، لان الغرض منها أن تكون خط دفاع (عربي) عن اسرائيل، وقاعدة مواجهة للايرانيين الممهدين للمهدي عليه السلام. ولذلك يقوم السفياني
--- [ 29 ]
صفحة ٢٨
باحتلال العراق فتدخله قواته " ويبعث مئة وثلاثين ألفا إلى الكوفة، وينزلون الروحاء والفاروق. فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة، موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة " " كأني بالسفياني (أو بصاحب السفياني) قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس (من) شيعة علي فله ألف درهم. فيثب الجار على جار ويقول هذا منهم ". ثم يكلفونه أن يملا الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز، ويساعد حكومته الضعيفة للقضاء على حركة المهدي التي يلهج الناس بها، ويتوقعون بدايتها في مكة. فيرسل السفياني جيشه إلى الحجاز، ويدخل المدينة المنورة ويعيث فيها فسادا، ثم يقصد مكة المكرمة حيث يكون الامام المهدي عليه السلام قد بدأ حركته، فتقع المعجزة الموعودة على لسان النبي صلى الله عليه وآله في جيش السفياني فيخسف به قبل وصوله إلى مكة " يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه جيش، حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم ". ثم يتراجع السفياني بعد هزيمته في العراق على يد الايرانيين واليمانيين، وهزيمته في الحجاز بالمعجزة على يد المهدي عليه السلام، ويجمع قواته داخل بلاد الشام لمواجهة زحف الامام المهدي عليه السلام بجيشه نحو دمشق والقدس. وتصف الروايات هذه المعركة بأنها ملحمة كبرى، تمتد من عكا إلى صور إلى أنطاكية في الساحل، ومن دمشق إلى طبرية والقدس في الداخل، وأن الغضب الالهي ينزل على السفياني وحلفائه اليهود والروم فيهزمون هزيمة ساحقة، ويؤخذ السفياني أسيرا ويقتل. ويدخل الامام المهدي عليه السلام والمسلمون القدس. كما تذكر الاحاديث حركة أخرى ممهدة للمهدي عليه السلام تحدث
--- [ 30 ]
صفحة ٢٩