لكنها كانت قد جاوزت الزمان والمكان، وقفت بهيئتها الداعية للرثاء وقفة شموخ وتحد، وهتفت بصوت هز القلوب والأركان: «حتى الأمس كانت كلمة قيصر قادرة على أن تصد العالم، والآن ينطرح هناك لا تبلغ المسكنة بأحد أن يخصه بتكرمة.»
دوى المكان بالتصفيق، تصفيق الإعجاب والمجاملة والرثاء والسكر. وقال لها عزت بتوسل: حسبك.
فقالت بظفر أبله: ما علينا إلا أن نعود للمسرح.
فقال اتقاء لغضبها: سأفكر في ذلك. - معنا المال، سيرجع حمدون، ماذا ينقصنا؟! - عظيم ... عظيم ... عظيم. - تعاملني كطفلة؟! - أبدا.
بحدة وحنق: لماذا جئت؟ - يجب أن نكون أصدقاء. - إنك أسوأ ذكرى في حياتي. - الله يسامحك. - وغد جبان. - الله يسامحك يا بدرية. - اذهب ولا تعد!
وصدع بالأمر، فقام ومضى يتسلل بوجدان يشتعل. أما هي فعادت تخطب بقوة: «أيها الأصدقاء، أيها الرومانيون، أيها المواطنون، أعيروني أسماعكم، إني جئت لكي أدفن قيصر لا لكي أشيد بذكره.»
26
فر وهو يجفف عرق وجهه بمنديله. أي حماقة ساقته إلى زهرة النيل؟ لم لم يعمل بالحكمة التي تجعلنا نواري الجثث في المقابر؟ ما كان أغناه عن تلك التجربة الأليمة التي انغرزت في عظامه، ألم تكفه تجربة سمير الضائع المشرد؟ وانفرد بنفسه في حجرة الإدارة وراح يفكر في حياته.
لم تكن أول مرة، ولكنه كان مثارا لحد الإلهام. ضاق أول أمره بالفراغ، ولكنه استبدل به عملا لا يؤمن به. أليس كذلك؟ لم يكن من رجال المسرح، ولا هو من رجال الملاهي الليلية. العمل يمثل في حياتي مهربا من شيء أو طمعا في شيء أو انتقاما من شيء. أمي أول من دفعني إلى الانحراف وهي الخير الصافي. لست قادرا على فهم هذه الأمور أو هضمها. وما ينقصني حقا هو راحة البال، ما ينقصني حقا هو الرضا عن النفس. هل يوجد حقا ما يسمونه بالرضا عن النفس؟! كيف يبلغه الإنسان؟ وأين يجد الجواب عن هذا السؤال؟! وما جدوى الأسئلة وأنا مستسلم لتيار الحياة اليومية؟! وخطر له أن يسأل فرج يا مسهل وهما يدخنان معا في شقته عقب التشطيب، سأله: أأنت سعيد يا عم فرج؟
فأجاب الرجل صادقا: بفضل الله وفضلك.
صفحة غير معروفة