اصطحبه حمدون إلى شقته القديمة بشارع محمد على لتناول الغداء. عندما لاح له المسكن شعر برغبة جازمة في الهرب، غير أن الرغبة اندفعت في اتجاه ومضى هو يتأبط ذراع حمدون في الاتجاه المضاد، بعد دقيقة أو نحوها سيرى بدرية المناويشي، ممثلة سيرك اللاوندي، ويلمس راحة يدها لأول مرة في حياته، لو حدث ذلك قبل سبعة أعوام لتكهرب أو اشتعل، ولكنه يمضي اليوم متحررا وقد ذاب العاشق القديم في تيار الزمن، وحل محله آخر يحلم بالإدارة والسيادة واللهو البريء.
فتح الباب عن محياها الثري وابتسامتها العذبة وهي مرتدية فستانا منقطا بالبياض، ورجع الصوت القديم وهو يقول بمرح وترحيب: أهلا ... أهلا.
دخل عالما جديدا لا رجعة منه، كان عليه أن ينقب عنه بين الأطلال، وها هو ذا يغزوه متمتعا بالصحة والصداقة. وتذكر آلام الحب فتعجب. وجلس في حجرة استقبال متواضعة وغرقوا في المجاملات والذكريات المحايدة، ثم دعي إلى المائدة، أثاث البيت ينطق بالتقشف. صديقه يعاني، وها هو ذا يجيئه في الوقت المناسب. وراح يتناول طعامه بحماس قائلا: تعلمت أن آكل كما ينبغي.
فقالت بدرية: ازداد وزنك، ربما أكثر مما يلزم.
فقال حمدون معترضا: إنه مناسب جدا لصاحب مسرح ومديره.
فقالت بدرية: إليك المسقعة وورق العنب اللذين تحبهما كما أخبرني حمدون. •••
وفي حجرة الاستقبال مرة أخرى قال عزت لحمدون: أرجو أن تكون أحسنت التصرف مع الوقت.
فقال حمدون بثقة: سنبدأ مع أول يوم من الموسم الصيفي، اخترت الممثلين والممثلات وسائر العاملين، وعند العصر سيحضر الأستاذ يوسف راضي المحامي. كل شيء جاهز.
وتذكر وفاة أبيها منذ سنوات فقدم لها العزاء وسألها: هل ترين والدتك؟
فقالت باقتضاب: تزوجت من زمان وانتقلت بصفة نهائية إلى البلينا.
صفحة غير معروفة