وأكدت معرفته هذه الأعمال التي قام بها في إعادة تأهيل كهوف مايا زوكوف، بعدما تأجل الاحتفال بمايا إلى العام القادم أتيحت لي الفرصة أن أفتتح معرضي الأول في ذات أيام الاحتفال؛ لكي يحظى بفرجة أكبر نوعا، كيفا وكما، وقد تنفتح لي آفاق لمشاركات خارجية، وقد تشترى بعض قطعي الفنية بواسطة أجانب، حيث تنطلق إلى العالم الأكبر. كانت أعمالي كلها على الحجارة بجميع أنواعها حتى الجرانيت، واستخدمت الحصى أيضا مع الأسمنت الأبيض، واستخدمت الرمل الخشن والناعم مع مواد كيميائية لامعة، كل ما شكلته الطبيعة حول الجبل، أما العمل الأكبر هو أني استخدمت الواجهة الشرقية للجبل كلها، التي تقع في مساحة نصف ميل مربع كقطعة فنية واحدة كبيرة، قالت عنها نوار سعد: إنها أكبر قطعة نحت في العالم بعد أن دمر الطالبانيون تمثال بوذا في أفغانستان، تتكون في ألف قطعة حجر من أحجام مختلفة من الجرانيت الأسود، وقطعة واحدة كبيرة من الرخام الأبيض في شكل بيضة ضخمة لنسر خرافي تكون فضاء المربع أعضاءه كلها، التي تمثل في نفس الوقت شمسا تشرق أو تغيب. استغرق إنجاز هذا العمل ثمانية أشهر وخمسة ألف دينار - دفعتها اليونسكو - معظمها إيجار لرافعات وعمل عتالة ودربكين وقطع حجارة، كان معي خمسة عمال أشداء بصورة متواصلة، لا يكلون ولا يملون ولا يمرضون، إضافة لذلك كنت أستعين بالشغيلة والفنيين الذين يعملون في كهوف مايا زوكوف فلاديمير، ساعدني أيضا طلاب كلية الفنون، وكانوا معي كل ساعات دراستهم العملية وأوقات فراغهم، والبعض أقام مع العمال في الكهف، بين وقت وآخر يأتي من يقدم يد العون طوعا، كان عملا شاقا ولكنه مثمر، منحتني من أجله الجامعة شهادة الماجستير في النحت، وتم تعييني أستاذة بالجامعة براتب جيد. ولكن الغريب في الأمر؛ كان من ضمن الأشخاص الذين جاءوا طوعا للعمل معي والمساعدة الشرطي جمال الأمين، وكان يأتي في الوقت الذي يذهب فيه الجميع للراحة، ويطلب مني تكليفه بعمل ما، فينجزه على سرعة البرق ويختفي، طلب مني ألا أبلغ عنه أو أن أحرمه من المساعدة، وقال: أنا شخص مفيد، ولكني شديد الغدر، ولا يمكن قتله، مش كدا؟ ومن الأحسن اتعلمي كيف تحبيني، وتعتادي علي.
اللحظة التي رأيته فيها كاد يغمى علي من الرعب والخوف والدهشة، أو ربما لا شيء سوى استدعاء الصدمة التي عانيت منها، التي كان هو المايسترو وقائد أوركسترا رعبها، ولكني: ألم أقتله؟!
ألم أقتلك؟
لا أحد في ذلك الوقت أحتمي به، لا أحد يمكنه أن يسمع صراخي، لا، إذا صرخت فيهب لنجدتي لا أحد.
كنت أنحني على قطعة فخار كبيرة أقيس أبعادها، حينما أحسست بظل ثقيل يقترب مني، قال: ما في طريقة الزول يعرف بيها أخبارك إلا في الجرايد، مش كدا؟
ما يقارب العشرين عاما منذ أن قتلته في الكهف، عشرون عاما! - أنا مش قتلتك؟
قال وهو يقترب مني أكثر، فتقترب مني رائحة العرق، تبدو ابتسامته أكثر وضوحا: ورميتيني في القبر، مش كدا؟ برضو أنا سامحتك، حتى لو مت كنت حأموت وأنا ما زعلان منك، ولكن أنا عندي روح كلب، سبعة أرواح، ولو كنت أموت بالسهولة دي، سجم أمي؟
ثم أضاف عندما أحس أنني ما زلت أرغب في الهرب: أرجوك، أنا الآن في وضع مختلف، الكل يريد قتلي وعلى رأسهم الناس الذين كنت أحميهم وارتكبت كل الجرائم من أجلهم، كنت أداة مرحلة لا أكثر، وحسوا أنني أمثل ليهم شاهدا خطيرا على جرائم أكبر ويجب التخلص منه، من هذا الشاهد الهو أنا. وعايز أقول ليك، أنت هربت من الكهف بمزاجي أنا، أنا اللي أديتك الفرصة للهروب، صحيح أنا ارتكبت خطأ واحدا وكان بإمكاني تداركه في الوقت المناسب، ولكن ربنا أراد غير كدا، وكنت برضو عارفك وين مدسية، ولكني قلت لنفسي: اعمل يا جمال عمل خير ولو لمرة واحدة في حياتك.
بالتالي خليتك تروحي في حالك؛ لأنهم أنقذوني من الموت بعد أقل من ساعة من فعلتك؛ لأنني ما كنت مغفل بالصورة اللي تخليني ما أحتفظ بحرس، كنت في الأيام ديك مستهدفا من كل الأحزاب والمعارضين، فقط أنا أخرت الحرس، يجيء بعد ساعتين من وصولنا للكهف، وجاء بعد ساعة من عملتك اللي ما كنت مستبعدها تماما، ولو أنك فاجأتيني بيها.
أنا عايز أساعدك وبس، وأريد أن أقول لك حقيقة مهمة ، عشان تعرفي حسن نيتي: أنا حضرت زواجك من آدم في قريتكم، وكنت سعيدا جدا، وعشان ما أعكر مزاجك وأذكرك بأيام الاعتقال ما ظهرت ليك.
صفحة غير معروفة