قال: «من لقيت في طريقك؟» ففطن إلى أنه يشير إلى ياقوتة، لعلمه أن الحارث لا بد من أن يشكوه فقال: «لقيت فتاة بين يدي رجلين يعذباها.»
قال: «وهل أنقذتها كعهدك؟ بارك الله فيك.»
فعلم أن الخليفة يشير إلى فضله عليه في إنقاذه من مخالب الأسد، فخجل وتجاهل وقال: «لم أتمالك يا أمير المؤمنين عن إنقاذها. ثم علمت أنها تنتمي إلى بعض رجال الدولة فحملت تبعة عملي طمعا في حلم أمير المؤمنين وهو ذنب أستغفر له.»
فضحك المعتصم وقال: «لقد اصطدت حلالا، أنت أولى الناس بإحرازه، كيف رأيت الفتاة؟ أهي جميلة؟»
قال: «لا بأس بها يا مولاي.» قال: «قد وجب عليك إقرارك.»
فلم يفهم ضرغام قصده فابتدره القاضي: «أتذكر أن أمير المؤمنين خطب لك جارية؟» قال: «نعم.»
قال: «هذه هي الفتاة بعينها.» فاستغرب ضرغام ذلك الاتفاق الغريب، وتحير في الجواب فقال القاضي: «إن أمير المؤمنين رأى هذه الفتاة للمرة الأولى منذ أسابيع وقد جاء بها الحارث يخطبها لنفسه، وكان رجل آخر يدعي أنها له، وكنت حاضرا فقال لي أمير المؤمنين: «إنها تصلح للصاحب.» وأمر الحارث أن يحتفظ بها حتى يطلبها. وفي هذا الصباح جاء الحارث يشكوك؛ لأنك خطفت ياقوتة منه فقال له: «إنها للصاحب، ولا سبيل لك إليها.» فخرج مفحما، ولذلك قال مولانا إنك اصطدت صيدا حلالا ووجب إقرارك عليك.»
فلم يسع ضرغام إلا الدعاء للمعتصم على التفاته إليه وقال: «إن أمير المؤمنين يتصرف بعبيده ومواليه كما يشاء.»
فقال المعتصم: «أحرزت أجمل نساء سامرا، بارك الله لك فيها.»
ثم صفق، فجاء الحاجب، فأشار إليه إشارة فهمها، وخرج ثم عاد غلام يحمل طبقا عليه عقد من الجوهر يتلألأ كالشمس، فأشار الخليفة إلى الغلام أن يقدمه إلى الصاحب، فقدمه، فبهر ضرغام من لمعان ذلك العقد ووقف احتراما، فابتدره المعتصم قائلا: «هذا عقد تلبسه ياقوتة وتتحلى به.»
صفحة غير معروفة