قال: «إني كثير الاهتمام بشئونك؛ لأنك صاحبي، فأرجو ألا يكون عليك بأس مما رأيته أو سمعته.»
فرأى ضرغام الفرصة مناسبة للاستئذان في الذهاب إلى همذان فقال: «لا بأس علي ما دمت في ظل مولاي أمير المؤمنين، ولكن قوما من أهلي قادمين من فرغانة إلى العراق فأصابهم ما أخر وصولهم فبعثوا يستعينون بي على ذلك، فهل يأذن مولاي بذهابي بضعة أيام؟»
فأطرق المعتصم ثم قال: «سر ولا تطل الغياب، وإذا رأيت أن تستعين بجند أو بريد فافعل.»
فانحنى ضرغام شاكرا واستأذن وعاد إلى المسجد حيث ترك سامان، وقد سره اهتمام المعتصم بأمره ولكنه ظل مضطرب البال لما سمعه عن جهان والأفشين، ولم يكن الأفشين قد وصل إلى سامرا بعد، فرأى ضرغام المبادرة إلى همذان فأمر بإعداد أفراس البريد ينتقل بها هو وسامان، وذهب لوداع أمه وذكر لها أنه ذاهب في مهمة يعود منها بعد بضعة أيام، فقبلته وودعته. فركب في ذلك المساء وقلبه يكاد يسبقه من شدة القلق إلى همذان، وكلما وصل إلى محطة من محطات البريد لتبديل الركائب يسأل الناس هل سمعوا بلصوص يلجئون إلى بعض الأماكن في تلك الناحية. وكان يواصل السير نهارا وليلا ولا ينام إلا قليلا حتى دنوا من همذان وبجانبها جبل وعر وطريق البريد بجانب ذلك الجبل وفيه محطة لخيل البريد، فلما وصل إلى هناك سأل سامان: «ألا تذكر المكان الذي وقع فيه الحادث؟»
قال: «وراء هذا الجبل على ما أظن.»
وكان وصولهم إلى الجبل عند الغروب، وقد أعد له أصحاب البريد منزلا يبيت فيه، ولكنه لم يستطع صبرا إلى الغد. وكان في تلك المحطة غير واحد من السعاة والكوهبانية وأصحاب الأخبار التقوا هناك صدفة وكل منهم سائر في طريق، وعلم صاحب تلك المحطة أن الصاحب من خاصة الخليفة وقد جاء للبحث عن شيء يهمه، وأنبأ الآخرين بذلك فأصبحوا يتوقون إلى خدمته، وسأل ضرغام صاحب المحطة: «هل أنت هنا من زمن طويل؟»
فقال: «من بضعة أسابيع ونحن أصحاب البريد ننتقل دائما، فهل يأمر مولاي بخدمة نقوم بها؟»
قال: «شكرا لك، هل سمعت بلصوص أو قطاع طريق يعتصمون في بعض هذه الأودية أو الجبال أو يمرون من هذه الأمكنة؟»
قال: «قلما نسمع بشيء من هذا، ولكني علمت بالأمس أن جماعة من قطاع الطريق معتصمون وراء هذا الجبل، ولم يصل خبرهم إلى الحكومة بعد على ما أظن.»
فلما سمع ضرغام كلامه قال له: «أرسل معي رجلا يهديني إلى مكان أولئك اللصوص.» ومشى.
صفحة غير معروفة