وبينما هما في الحديث أتت القهرمانة تنبئ سيدتها بمجيء ضرغام، فخفق قلبها ونسيت حزنها. ولكنها بكت إذ تذكرت إعجاب أبيها به وما كانت تتوقعه من السعادة لو بقي حيا. ثم تجلدت وابتسمت له عندما رأته، فحياها وأخذ في تعزيتها، ثم تحول نحو سامان وعزاه فقال سامان: «إن لنا في بقائك تعزية كبرى.»
ومشت جهان إلى غرفتها فتبعها ضرغام بلباس السفر فدعته إلى الجلوس وقالت: «لقد كانت مصيبتنا مضاعفة لغيابك يا ضرغام.»
قال: «كنت في مكان بعيد اضطررت للذهاب إليه تعجيلا للفراغ من المهمة التي جئت لإنجازها، ولكن ...» وسكت، فسألته: «وماذا جرى؟»
قال: «جاءني أمر الخليفة يستعجلني بالرجوع.»
فأطرقت ثم قالت: «إن سفرك يسوءني كثيرا ولكنني ...»
فقطع كلامها قائلا: «سأبقى في فرغانة؛ لأن فيها قلبي وعقلي وكل جوارحي.» وانتبه إلى أن سامان يسمعه فأجفل وخجل. فقالت له: «لا تخجل، إن أخي عالم بما بيننا، وأراه يحبك كثيرا ويعجب ببسالتك ومناقبك، وليس ما يمنعنا من العلانية، أما بقاؤك هنا فهو أمنية حياتي، ولكنني أرى أن تلبي طلب الخليفة؛ لأنه أكرمك ورفع منزلتك وقد يكون في حاجة إلى حسامك أو رأيك. وهل لم يرسل الخليفة في طلب الأفشين أيضا؟»
قال: «لم يبلغني شيء عن دعوته، ولكنني أظنه يطلبه قريبا؛ لأن الأمر حرب والأفشين كبير القواد. ولكن كيف أسافر وأنت في هذا الحزن وكيف أطمئن وأنت ...!»
فقطع سامان كلامه قائلا: «لا بأس عليها؛ لأن أبانا عهد إلى مولانا الأفشين بتولي شئونها.» وارتجفت شفتاه من الغضب والحقد. فالتفتت جهان إليه وقد شق عليها أن يفشي ذلك لضرغام فيقلقه. وهذا شأن المرأة العاقلة فإنها تكتم متاعبها عن رجلها ولا تظهر له إلا ما يسره، ما لم تضطر إلى غير ذلك.
وعجب ضرغام مما سمعه عن وصاية الأفشين، ونظر إلى جهان مستفهما فقالت: «إن الأفشين صديق لأبي، وكان يثق فيه كثيرا، فأراد أن يكرمني ويهيئ لي أسباب الراحة بعد موته فأوصاه بي بعهد كتبه له وأشهد الموبذ عليه. وما في ذلك شيء غريب.»
فأطرق وأعمل فكرته، فرأى أن الأفشين معه في العراق، فوصايته خير من وصاية رجل من أهل فرغانة لا سبيل له إليه. فمال إلى السفر وأحب أن يسمع رأيها في سفرها معه، فنظر إليها وعيناه تسبقانه إلى الكلام وهي لا تحول نظرها عنه فقال: «إذا كان الأمر كذلك فقد يبقى الأفشين هنا أياما ليدبر ما عهد فيه إليه، وفي هذا ما يطمئنك في بعدنا.»
صفحة غير معروفة