وهب المرزبان بغتة كأن شيئا نبهه فقال: «أين سامان؟ هل أتى الموبذ؟ ادعوه لي حالا. إن سامان لا يعول عليه.» قال ذلك وهز رأسه هزة كلها معان.
فنهض ضرغام وقال: «أنا ذاهب لاستدعائه فإني أعرفه وأعرف مكانه.»
فقال المرزبان: «لا تكلف نفسك الذهاب وفي قصرنا عشرات من الخدم والخصيان ... ولو لم يتصد سامان للذهاب بنفسه لكان لنا غنى عنه بواحد منهم.»
فقال: «قد أحسن سامان بتطوعه لتنفيذ أمر أبيه بنفسه. وإذا أذن مولاي أن أتولى أنا ذلك فعلت.»
فقطع المرزبان حديثه قائلا: «كلا لا تذهب أنت.»
فقال: «أتأذن لي في أن أبعث إليه بخادمي بل رفيقي وردان. فإني لم أكل إليه أمرا إلا أنفذه ولو ركب إليه رءوس الأسنة.» قال ذلك وخرج فنادى: «وردان». فأتاه رجل في نحو الأربعين من العمر خفيف العضل خفيف اللحية، يظهر من بروز أنفه وبقية ملامحه أنه أرمني. وكان قد دخل في خدمة ضرغام بسامرا منذ عهد قريب وسرعان ما اكتسب ثقته بما أبداه من علو همته ونشاطه، فكان ضرغام يعامله معاملة الرفيق فلما وقف بين يديه وعليه عمامة مستديرة وسراويل قصيرة وفروة من جلد الغنم قال له ضرغام: «هل عرفت بيت النار الذي مررنا به مساء أمس وعليه الأنوار والرايات؟» قال: «نعم.»
قال: «اذهب إلى هناك واسأل عن الموبذ، وقل له: «إن المرزبان يريدك في هذه الساعة.» وارجع به معك.» فأشار مطيعا وخرج.
أما جهان فأصبحت متشوقة لتحادث ضرغاما وتشاكيه الغرام، وكانت تشعر بأن رأسها مملوء بالأخبار التي يلذ لها كشفها له، على عادة المحب إذا فارق حبيبه فإنه لا يمل الكلام مهما يكن موضوعه أو مرماه، فلا عجب إذا اشتاقت جهان لمجالسة ضرغام بعد ذلك الفراق الطويل.
وكان هو في مثل شوقها ولهفتها. ولكنه كان في حيرة لا يدري كيف يتسنى لهما ذلك. فإذا بالمرزبان ينادي جهان قائلا: «مري «المهتر» - قيم الدار - أن ينزل حبيبنا ضرغام في القصر، ويعد له ما يحتاج إليه، ومتى فرغ من ذلك يجيء إلي فإني أريد أن أختلي به حينا حتى يأتي الموبذ.»
فخرجت لتنفيذ ما أمر به أبوها. وسبقها ضرغام إلى قاعة خاصة تعود أن يراها جالسة فيها. •••
صفحة غير معروفة