فقالت: «ما بالك؟ هل أغضبك إهمال أخي سامان؟ إنه لم يكن يعلم مرادك.»
فهز رأسه وقال : «إنه لم يفهم مرادي ولكنني فهمت مراده. وقد دنا وقت الحساب.» قال ذلك واستلقى على الفراش ورفع الغطاء إلى كتفيه لينام، فعلمت أنه لا يريد الخوض في الموضوع، فأصلحت غطاءه وقبلت يده ثم خرجت وذهبت إلى غرفتها وهي في شاغل جديد بأخيها، وكانت خيزران في انتظارها فرحبت بها وسألتها عن أبيها ثم قالت: «أبدلي ثيابك واذهبي إلى فراشك.»
فظلت واقفة ولم تجبها فأدركت أن ذهنها مشتغل بضرغام فقالت لها: «إن الناس قد انصرفوا وأطفئت الأنوار في الحديقة والإيوان ولم يأت ضرغام ولعله يأتي غدا.»
فاقتنعت وأخذت في تبديل ثيابها بمساعدة خيزران، ثم ودعتها هذه وانصرفت، وأرادت جهان أن تذهب إلى فراشها وإذا بخادمة دخلت تقول: «إن مولاي سامان يطلب أن يكلم مولاتي.»
فسرت جهان بمجيئه؛ لأن حديث أبيها معه لم يرق لها، فدخل وعليه ملامح الاكتئاب والانكسار، فلما رأته أخذتها الشفقة عليه فرحبت به وابتسمت له وقالت: «لا يسوءك ما صدر من أبينا من إشارات الكدر، فأنت ضيق الصدر لمرضه.»
فقعد مطرقا على وسادة ولم يجب. فجلست إلى جانبه ونظرت إليه فرأت دموعه تتساقط على خديه فأثر منظره وغلب حنوها وطيب عنصرها على فراستها وتعقلها وقالت: «ما يبكيك يا أخي؟»
فرفع بصره إليها وقال وصوته مختنق: «تسألينني عن أمري وقد شاهدت بعينيك وسمعت بأذنيك؟!»
قالت: «قلت لك إن ما أتاه أبوك ليس عن غرض بل هو عن مرض، فإنه يحبك وليس له ابن سواك، وأنت حامل اسمه وأنت ...» فقطع كلامها قائلا: «قد يكون أبي يحبني، ولكني سيء الطالع. فأنا أبذل جهدي في طاعته، ولم يكن قد كلفني استدعاء الموبذ ولكنني رأيته يسأل عن خادم يرسله في طلبه، فتطوعت لخدمته. ولا أرى منه غير الإعراض، ويؤلمني ألا يكون راضيا عني!»
قالت: «إنه راض عنك، أو إنه سيرضى، كن مطمئنا.»
قال: «أنا أعلم أنك تحبينني وتسعين في استرضائه لي، ولكن آخرين يكيدون لي عنده، وهو لسلامة نيته ينخدع بأقوالهم.» قال ذلك ووقف يهم بالخروج خشية أن يسوءها حديثه، فأوقفته وقالت: «من تعني بأولئك الكائدين؟»
صفحة غير معروفة