فابتسم ضرغام رغم ما هو فيه من القنوط وقال: «ليس صاحبي ظالما.» ثم تذكر ما وعده من البحث عن جهان فقال: «خفف عنك إني حامل إليك نبأ يسرك فعسى أن تكون حاملا مثله لي.»
فاضطرب حماد وبدت الدهشة في عينيه وقال: «ماذا؟ هل وجدت ياقوتة؟ وأين هي؟»
قال: «نعم وجدتها، وهي الآن بسامرا عند أمي معززة مكرمة.»
فظن حماد نفسه في حلم ، ولم يتمالك عن النهوض وقال: «ياقوتة في منزلك الآن؟» وأكب عليه وقبل رأسه ووجهه وهو يقول: «هل هي في خير وصحة؟ إني أشكر لك فضلك.» ثم تراجع وتغيرت سحنته كأنه تذكر أمرا أزعجه وقال: «ولكني لسوء الحظ لم أوفق إلى خدمتك مثل توفيقك في خدمتي. على أني لم أدخر وسعا في السعي والاستفهام، ماذا فعلت أنت هل وفقت على خبر جهان؟»
قال: «لم أجد وسيلة من الوسائل لم أتبعها وذهب سعيي عبثا.» ثم تنهد وقال: «ليتك تركت رجالك يجهزون علي، إذن لأحسنت إلي؛ لأني لم آت هذه البلاد التماسا للفخر بالفتح أو الكسب بالغزو وإنما أتيت لألقى حتفي وأتخلص من هذه الحياة.» قال ذلك وهو يحرق أسنانه ويتململ.
فشاركه حماد شعوره وأخذ يخفف عنه فقال: «لا تيأس يا صديقي من الفرج فإنه يأتيك وإن حسبته مستحيلا. فقد تعلم ما كان من أمري مع ياقوتة وكيف تركت وطني وأهلي يأسا من العثور عليها، وهذا أنت تحمل لي نبأ سلامتها، فأتاني الفرج من حيث لا أتوقع. ولا أخفي عليك أني صممت بأن أفعل مثلك وعرضت نفسي للقتل، ولكني وفقت إلى أمر هدأ روعي وساعدني على الصبر، فلو وفقت إلى مثله لصبرت صبري. لقد وفقت إلى فتاة تشبه ياقوتة فتعزيت برؤيتها وخفف ذلك كثيرا من لوعة البعد.»
فتذكر ضرغام مشابهة ياقوتة لجهان فقال: «لكني وفقت إلى من تشبه جهان ولكنني لم أشعر بما يخفف اللوعة، بل زاد ذلك في أشجاني!» فاستغرب حماد وقال: «أما أنا فإني أستأنس بشبه ياقوتة استئناسا يكاد يذهب بقنوطي، وإن لم يكن لي سبيل إليها. فقد رأيت لياقوتة شبها في هذه المدينة هي أعز نسائها جانبا وأسماهن حسنا وأمنعهن مقاما، وهي لا تحتجب فتخرج سافرة لا تبالي أن يراها الناس، وكنت كلما نظرتها تيمنت بطلعتها وارتويت برؤيتها.»
وكان وردان جالسا يسمع ولا يشترك في الحديث، فلما سمع حمادا يذكر فتاة تشبه ياقوتة تذكر شبه ياقوتة لجهان، وهم بأن يستوضح حمادا فرأى ضرغام قد سبقه إلى ذلك وقال بلهفة : «أين رأيت شبه ياقوتة؟»
قال: «رأيتها في هذه المدينة في قصر بابك نفسه. لا أظنكم تجهلون الفتاة التي قامت بنصرة بابك وقومت أخلاقه ودفعته من الرذيلة إلى الفضيلة.»
قال وردان: «أظنك تعني جلنار؟»
صفحة غير معروفة