ومررت أصبعها على الغلاف الداخلي. «أين وجدت هذا الكتاب؟»
أشارت إلينورا مرة أخرى إلى الرف العلوي من المكتبة. «خلف تريسترام شاندي.»
وقفت روكساندرا صامتة تتأمل غلاف الكتاب فترة طويلة قبل أن تتجرأ إلينورا على طرح سؤال. «هل تلك الكتب ملكك؟»
فقالت روكساندرا: «إنها ملك لوالدتك، لقد أهداها والدي تلك المجموعة في عيد ميلادها الرابع عشر، فقد كانت دائما طفلته الحبيبة أو نبتته الصغيرة كما كان يطلق عليها. وعلى أي حال، لا بد أنها قد أخذتها معها عندما تزوجت يعقوب.»
وضعت روكساندرا البصل على المقعد الذي كان عليه الكتاب، وقلبته مرة أخرى على الغلاف الأمامي.
وقالت وهي تقرأ اسم شقيقتها قبل الزواج بصوت عال: «ليئة ماندلسون.»
سرت رجفة في جسد إلينورا عندما سمعت روكساندرا وهي تتلفظ باسم والدتها. لم يكن هذا الاسم ينطق إلا نادرا؛ ومن ثم أصبح وقعه شبه مقدس كاسم الرب الذي لا ينطق إلا في أقدس الأيام تقديسا، وفي أقدس الحجرات، على لسان الكاهن الأكبر في المعبد في أقدس المدن وهي القدس. كان اسم والدتها في ذهنها يصلح تعويذة أو سحرا ذا قدرة خفية. وقفت إلينورا صامتة خلف طاولة الكي حتى رحلت روكساندرا، وعندما أصبحت وحدها مرة أخرى جلست حاملة الكتاب وفتحته على الغلاف الأمامي الذي كان رسما محفورا لدرع وسيفين كتب تحته بخط طفولي: «من مكتبة ليئة مندلسون.» افترضت أنه لا يمكن أن يكون إلا لوالدتها، فارتجفت وأغلقت الكتاب.
بدأت إلينورا تقرأ المجلد الأول من «الساعة الرملية» يوم الثلاثاء التالي الموافق الأول من أكتوبر. ومثل كل من حظي بمتعة قراءة تلك الرواية الساحرة ذات المجلدات السبعة، التي تحكي عن عائلة مرموقة في بوخارست ينحدر بها الحال، استغرقت إلينورا سريعا في تيار الأحداث والحفلات والحرب والانتقام والمأساة والعلاقات الغرامية المتعددة. ولأنها كانت يافعة، فقد تأثرت بشدة بالرواية. كان للعديد من الكتب الأخرى تأثير كبير على خيالها، ولكن لم يؤثر فيها كتاب كما فعل «الساعة الرملية». كانت إلينورا تحدق إلى الصفحة، وتشعر أحيانا كما لو كانت فتاة ريفية متعلقة بنوافذ المنزل الكبير، آملة أن تلقي نظرة خاطفة على الحفل. وبدا الأمر كما لو كانت قد اكتشفت بابا يقود إلى عالم آخر، عالم مليء بالأحداث والتقلبات المفاجئة العنيفة للثروة والطمع والتلون والرغبة. وكان يخطر في بالها أحيانا أنها تود لو كانت بارونة؛ تود لو كانت قد نشأت في بوخارست وقضت أمسياتها في صالون أدبي. وخلال شهر أكتوبر ومعظم شهر نوفمبر، ظلت إلينورا طوال الوقت تقرأ الكتاب باستغراق. كانت تقرأ قبل الإفطار، وبعد العشاء، وفي أي وقت يمكنها اختلاسه على مدار اليوم. كانت تنتهز الوقت بين كل غرزة وأخرى من غرز الحياكة، فتسترق النظر إلى بضع جمل، وتختلس فقرات كاملة في أوقات تقشير البطاطس. كانت شديدة الانغماس في الكتاب، شديدة التعلق بوفاة والدي الآنسة هولفرت وخيانة النبيل أولاف وفرص الآنسة يونسكو المتضائلة في الزواج، حتى إنها لم تلحظ القرارات التي تتخذ بشأنها.
كانت قد سمعت مصادفة أجزاء من حديث عن رحلة، وكثيرا ما رفعت عينيها عن الصفحة على ذكر إسطنبول، ولكن رغم ذلك لم تكن إلينورا مستعدة على الإطلاق للخبر الذي سمعته في ذلك المساء من أواخر شهر نوفمبر. كانت تجلس على مائدة العشاء حاملة المجلد الثالث، وكانت قد وصلت إلى المشهد الشهير حيث يجمع الجنرال كرزاب من تبقى من أفراد عائلته كي يوبخهم ويوزع الثروة التي اكتشف وجودها خلف خزانة والدته، بينما توقف والدها عند الباب الأمامي راكبا عربة محملة بأربعة صناديق أمتعة. وعندما انتهى هو والسائق من تفريغ الصناديق في ركن غرفة المعيشة، نظرت إليه إلينورا بفضول. «ما كل هذه الصناديق يا بابا؟» «إنها من أجل رحلتي.»
وضعت الكتاب مقلوبا على مائدة العشاء، ونظر أحدهما إلى الآخر في حيرة متبادلة.
صفحة غير معروفة