في صباح اليوم التالي خرج الملازم بروشوف - يخالجه شعور طفيف بالندم - إلى حاميته العسكرية. وبينما كان يسير نحو الترام تعثر عقباه بالحصى مصدرين صوتا عاليا، ونظر خلفه أكثر من مرة كي يرمق زوجته الجديدة عند المدخل بإعجاب. وكان أقصى مبتغاه وقتها أن يستدير عائدا ويلقي بنفسه بين ذراعيها، وأن يقضي معها ذلك الصباح الربيعي الممل، وأن يقضي معها بقية اليوم. ولكن وا أسفاه، فالحياة ليست كلها رقصا وقبلات؛ فثمة أوراق كي توقع، وقضايا يختلف حولها، ومنتجات يجب أن تصنع، وحروب يجب أن تخاض. إنه أمر مؤسف، هكذا كان يرى. لكنه حقيقي؛ فستكون دائما ثمة حروب كي تخاض.
رفعت إلينورا رأسها عن الكتاب عندما استنشقت رائحة الصوف المحترق، فرأت أن المكواة قد سقطت وأحرقت سروال والدها. حدقت إلى العلامة التي صنعتها المكواة، والتي كانت بقعة في ثنية السروال بحجم حبة الفراولة زال عنها اللون، فتجمعت الدموع في عينيها. كانت روكساندرا على حق؛ فهي مشتتة الذهن، غارقة في أفكارها الخاصة. لا شك أن الأمر لن يمر بسلام، وربما لن يسمح لإلينورا بممارسة الكي مرة أخرى، وعلى الأرجح سوف تعاقب بطرق أخرى أيضا؛ فقد تحرم من تناول العشاء، وقد تحرم من امتيازات القراءة التي تتمتع بها. كل هذا من أجل خطأ صغير، من أجل علامة لن يلاحظها والدها. حتى إن لاحظها، فلن يهتم. ألم يكن رأيه هو ما يهم؟ فهو ليس سروال روكساندرا.
بهذا المنطق، وقلبها يخفق كقرع الطبل، انتهت إلينورا من كي السروال وطيه، ووضعت سروالا جديدا على طاولة الكي. وبعد لحظة سمعت صوت الباب الخلفي يفتح، ودخلت روكساندرا حاملة حزمة من البصل الأخضر في يدها. وبدا كما لو كانت ستتفوه بشيء ما عن البصل، ثم توقفت وتشممت الرائحة في اتجاه طاولة الكي. «ما تلك الرائحة؟»
تشممت إلينورا الرائحة في الاتجاهين وقلصت أنفها. «أي رائحة؟»
اقتربت إلينورا بوجهها من الطاولة. «تبدو كرائحة الصوف المحترق.»
تشممت إلينورا السروال الجديد والهواء فوقه والمكواة نفسها وهي تغمض عينيها كما لو كانت تحاول تحديد مصدر الرائحة. «أعتقد أنها قد تكون المكواة.»
دست روكساندرا أنفها في نفس المكان ثلاث مرات، وبدت على وشك إصدار الحكم نفسه عندما لمحت المجلد الرابع من «الساعة الرملية» مفتوحا على مقعد بجوار طاولة الكي. «الساعة الرملية!» قالتها كما لو كانت تقابل صديقا قديما في بلد غريب. «أين وجدت هذا الكتاب؟»
أشارت إلينورا إلى الرف العلوي من المكتبة.
ثم قالت: «خلف تريسترام شاندي، المجلد الأخضر الضخم. توجد مجموعة كاملة هناك في الخلف.»
التقطت روكساندرا الكتاب من غلافه الخلفي وقلبته على الغلاف الأمامي، وبينما كانت تقلب الورق تجعد كما لو كان قطعة من العجين الرقيق. «كان هذا كتابي المفضل عندما كنت أصغر سنا.»
صفحة غير معروفة