لاحقا، في ذلك المساء، توقفت سلسلة من العربات الملكية في مدخل حمامات سمبرليتس، وترجل منها السلطان. كان يرتدي قفطانا حريريا باللون الأزرق الفاتح يزين حاشيته اللونان الأحمر والفضي، وتبعه إلى الحمام حاشية من الحلاقين وعاملات التدليك وحاملي المناشف ومجموعة متنوعة من الخدم الآخرين. كان مجمع الحمامات يمتلئ ستة أيام في الأسبوع بظهور العامة المشعرة وهم يغمغمون ويغطون أجسامهم بالصابون، ولكن في اليوم السابع كان سمبرليتس يغلق أبوابه في وجه العامة. ففي أيام السبت، كان عبد الحميد يستلقي وحيدا في منتصف الغرفة الرئيسة يشاهد خيوط أشعة الشمس وهي تسقط عبر البخار. ورغم أن القصر به مجموعة من الحمامات الرائعة من أفخر التصميمات والمهارة في الصنع، فلم يكن أحدها يضاهي سمبرليتس.
خلع السلطان ثيابه ودخل الغرفة الرئيسة المليئة بالبخار. كان السقف يتخذ شكلا ذا اثني عشر وجها صاعدا بانحدار ضئيل، وينحني في مجموعات لا نهائية متكررة من القرميد صانعا مشهدا مقببا لأشعة الشمس. وكان اثنا عشر صنبورا تملأ محيط الغرفة، وكلها تشير نحو اللوح الرخامي الضخم ذي اللون الرمادي الفاتح في المنتصف. كان كمسجد مخصص لجسد الإنسان، وبينما يرقد على ظهره في منتصف اللوح الرخامي كانت أشعة الشمس تسقط عبر البخار مضفية عليه شعورا بشيء أكبر منه. وبعد مرور بضع دقائق من العزلة، استدعى عبد الحميد الفريق المصاحب له، الذين شرعوا في تنظيف الجسد الملكي وتدليكه. كان عبد الحميد يتوصل لأفضل أفكاره أثناء جلسات التنظيف تلك؛ فهو يتلقى العون في معية الله، وحواسه يغلفها البخار، وفريق من الأيدي يدلك جسده، فكان عقله طليقا يتجول في مناطق غير مطروقة، ويسير متمهلا بلا هدف في طريق المنطق. في هذا المكان فكر في طريق نقل الحجيج بالسكة الحديدية، وتوصل إلى حلول للكثير من الخلافات مع إدارة الدين العام، وقرر أخيرا كيفية التعامل مع الصفويين.
وفي هذا اليوم بالتحديد، كان المأزق بالطبع هو ما ينبغي فعله بشأن الآنسة كوهين. لم يكن مقتنعا تماما بأن ثمة إجراء يجب أن يتخذه مع الفتاة نفسها، ولكن والدته والصدر الأعظم قد أصرا. وهو يعلم أنه في تلك اللحظات النادرة التي يتفق فيها كلاهما، فإن الأمر يستحق على الأقل التفكير في جميع الخيارات المتاحة. لقد صاغت والدته الأمر على نحو رائع؛ يمكنه إعادة الآنسة كوهين إلى كونستانتسا، وهو مسار يبدو أن الصدر الأعظم يفضله، أو يمكنه دعوتها للعيش في القصر وإعطاؤها بعض دروس الموسيقى أو وظيفة في أحد الدواوين وتركها تحيا حياة مغمورة. لم يكن يرى أن جمال الدين باشا سوف يعجب بهذا الإجراء، فقد كان مستاء بالفعل من تفكك التحالف الألماني، حتى إن السلطان كان يتساءل أحيانا عما إذا كان يمكنه إجراء مهامه الأخرى بأمانة. ولكنه رأى أن يرجئ هذا السؤال ليوم آخر. أخذ السلطان نفسا عميقا وأغلق عينيه، وتتبع شبكة الألوان التي صنعها الضوء داخل جفنيه، وركز انتباهه بالكامل فيما سيفعل مع إلينورا كوهين. وعندما فتح عينيه مرة أخرى، أصبح الأمر واضحا.
وهكذا وسط البخار ورائحة العنبر التي تملأ سمبرليتس، قرر عبد الحميد دعوة إلينورا كي تعيش في القصر وتصبح مستشاره الخاص. فمن بين كل الخيارات المتاحة، كان ذلك الخيار المنطقي الوحيد. وبالطبع، فإن وجودها في دهاليز السلطة سوف يشكل خطرا على مستشاريه الآخرين، ولكنهم سوف يتعلمون التعايش معها كما تعلموا التعايش بعضهم مع بعض، وإذا لم يتمكنوا من ذلك فعليهم أن يجدوا وظيفة أخرى مناسبة، فهو السلطان ويمكنه أخذ النصيحة عمن يشاء.
الفصل السابع والعشرون
اختلفت زيارة إلينورا الثالثة للقصر عن سابقتيها؛ وذلك من حيث الشكل والهدف معا. عندما توقفت العربة الملكية أمام منزل البك، كانت بالطابق العلوي في غرفتها ترتدي ثيابها بمساعدة السيدة داماكان وتفكر في خططها لهذا اليوم. كان قصف الرعد يدوي معظم الصباح، وثمة كومة من الخطابات على مكتبها يتعين الرد عليها، بالإضافة إلى البرقية المرسلة من خالتها روكساندرا التي كانت قد كورتها على هيئة كرة بجوار الكومة. ورغم أنها لم تكن مستعدة بعد للعودة إلى نظام حياتها السابق، فإن فكرة القراءة قد بدأت تروق لها للمرة الأولى منذ النوبة التي تعرضت لها، وخطر لها أنها قد تحب قضاء بعض الوقت في استكشاف منزل البك، ولكن وصول العربة الملكية قد أفسد تلك الخطط بالطبع. أغلقت السيدة داماكان الزر في ظهر ثوب إلينورا، وأسرعا إلى الطابق السفلي حتى غرفة الجلوس؛ حيث كان رسول السلطان ينتظر ويداه متشابكتان عند حزامه، وكعبه يقرع الأرض في قلق.
قال وهو ينحني حتى خصره: «أيتها الآنسة كوهين، إن فخامة السلطان يطلب مقابلتك في أسرع وقت ممكن.»
فترددت قائلة: «حسنا، بالطبع.»
استدارت إلى السيدة داماكان، ثم مرة أخرى إلى الرسول. «هل تسمح لي بلحظة أبدل فيها ثيابي؟»
فقال الرسول: «يمكنك ذلك، ولكن علي أن أخبرك بأن فخامته قد أكد أنه يرغب في مقابلتك فور أن تتمكني من ذلك، دون أن تلقي بالا لأمر الثياب أو الحالة التي أنت عليها.»
صفحة غير معروفة