دمدمت روكساندرا: «مدينة قذرة مليئة بالأتراك.»
قال يعقوب: «هما أيضا من الأتراك؛ التتار على وجه التحديد.»
قالت روكساندرا: «حسنا، لا يعنيني كنههما. ستغادران قريبا، أليس كذلك؟» «إنهما تنويان الرحيل في نهاية هذا الأسبوع، مع أن استعداداتهما ضئيلة إلى حد ما.»
قالت روكساندرا: «كما ذكرت، يسعدني أن أمكث هنا لمدة شهر، أو ربما حتى شهرين، لتقديم المساعدة المطلوبة. ولكن إذا كنت تنتظر مني أن أمكث أكثر من بضعة أشهر، فأعتقد أننا سنضطر إلى أن نتزوج.»
لطالما كانت روكساندرا الفتاة الإيثارية والابنة البارة؛ فقد اعتنت بأبويها أثناء مرضهما وشيخوختهما حتى وفاتهما، بينما ذهبت أختها الصغرى إلى المدرسة لتتلقى تعليمها وتزوجت. وبحلول الوقت الذي مات فيه أبوها، منذ ما يزيد قليلا على العام، كانت روكساندرا قد اقتربت على نحو يدعو للقلق من سن الثلاثين، وقد آلمتها الحياة وصارت شديدة الامتعاض. وعلى الرغم من أنها ورثت ثروة هائلة ستخول لمن يتزوجها الحصول على مهر كبير، فإنها لم تستطع العثور على الزوج المناسب. ولم تكن تطمح في هذه المرحلة في إقامة علاقة رومانسية، وإنما كل ما أرادته هو أن يكون لها بيت خاص بها، وزوج يصلح كي تتبادل معه الدعابات بعد العشاء.
رد يعقوب بعد طول صمت: «هل تمانعين إذا احتفظت بردي حتى آخذ بعض الوقت للتفكير؟» «كلا البتة.» «وماذا عن أغراضك؟ أهذا كل شيء؟»
ابتسمت روكساندرا ونظرت نحو الصندوق الصغير ذي الكسوة الجلدية الموضوع أمام ساقيها.
قالت: «لا داعي للقلق بشأن أغراضي، لقد اتخذت ترتيباتي بالفعل.»
وفي صبيحة اليوم التالي وصل من بوخارست صندوقا أمتعة كبيران، وبدأت روكساندرا تتصرف على سجيتها كأنها في منزلها؛ فبعدما أفرغت محتويات الصندوقين في غرفة النوم الثانية، استعانت بمساعدة ابنة أخي السيدة داماكان في تنظيف الأسطح وغسل النوافذ ونفض السجاد وإزالة الأتربة عن خزانات الكتب وإزالة الرماد من المدفأة. وعندما فرغتا من هذه المهام، غسلت روكساندرا الممشى الأمامي، وحاولت ترويع سرب الهداهد التي اتخذت من شجرة الدلب المجاورة للمنزل مأوى لها. ولكن كلما لوحت بذراعيها وألقت بالحجارة، تمسكت الهداهد بمأواها. وبعدها بثلاثة أيام، كان الممشى مغطى بروث الطيور مرة أخرى. ورغم هذا الإزعاج البسيط، استقرت روكساندرا في ارتياح في وضعها الجديد. كانت تطبخ وتنظف، وعندما كانت السيدة داماكان وابنة أخيها منهمكتين في الإعداد لرحلتهما جنوبا بطول ساحل البحر الأسود، اعتنت بإلينورا. وعندما رحلت القابلتان بنهاية الأسبوع الثاني لمجيء روكساندرا إلى كونستانتسا، تولت الشئون المنزلية بالكامل. وبنهاية الأسبوع الثالث، قرع يعقوب باب غرفة نومها، وقال إنه يوافق على الزواج منها؛ لأن في ذلك مصلحة الجميع، والحل الأمثل في ضوء الظروف الراهنة.
أقيمت مراسم الزواج في تولتشيا؛ إذ كان معبد كونستانتسا لا يزال قيد الإصلاح. وقف يعقوب وروكساندرا في مقدمة الغرفة مع الحاخام، وهو شاب ذو لحية حمراء كبيرة. وشهد على زواجهما الأخوان الأصغران للحاخام، وفي مؤخرة الغرفة كانت إلينورا تصرخ بين ذراعي زوجة الحاخام. وبعد مراسم الزواج تفقد يعقوب بعض الأعمال في تولتشيا، ثم استقلا عربة في الساعة السادسة للعودة إلى كونستانتسا، والهداهد تتبعهما على مسافة معقولة فوق رأسيهما.
صفحة غير معروفة