Natural Selection : عن طريق التنافس ونبذ المحاولات الاختبارية غير الصالحة. في هذه العملية تقع الطفرات أو الانحرافات التصادفية بعض الشيء تحت الضغط الانتخابي للصراع المتبادل، أو تحت الضغط الانتخابي الخارجي الذي يقصي الانحرافات الأقل نجاحا. هكذا يتبين أن القوة المحافظة هي «التلقين»
Instruction ، وأن القوة التطورية أو الثورية هي «الانتخاب»
Selection .
على كل مستوى من المستويات يبدأ التكيف من بنية شديدة التعقيد والتي يمكن أن توصف (وصفا استعاريا بعض الشيء إذا أخذنا المستوى الجيني باعتبارنا) بأنها بنية النظريات الشديدة التعقيد المتلقاة حول البيئة، أو بأنها بنية «توقعات». ويتألف التكيف (أو التعلم التكيفي) من تعديل لهذه البنية الشديدة التعقيد بواسطة طفرات محاولة، وبواسطة الانتخاب.
تبدو هذه الطفرات، على المستوى الجيني، عشوائية تماما ، أو عمياء. غير أنها على المستوى السلوكي ليست عمياء تماما؛ لأنها تتأثر دائما بالخلفية المعرفية (الثابتة لحظيا) والتي تشمل البنية الداخلية للكائن العضوي، وتتأثر ببنية الأهداف وبنية والخيارات الخاصة بالكائن (وهي بنية ثابتة نسبيا). أما على مستوى تكوين نظريات العالم 3 فتأخذ الطفرات طابع الاستكشافات البصيرة المخططة للمجهول.
يتسم التكيف على المستوى السلوكي وعلى المستوى العلمي بأنه عادة عملية ناشطة بشدة. ويكفي أن ينظر المرء إلى حيوان صغير وهو يلعب، وإلى السلوك الذي أسماه بافلوف «السلوك الاستكشافي» و«السلوك الحر». صحيح أن هذه النشاطات مبرمجة جينيا إلى حد كبير، إلا أن من الممكن أن تقمعها قيود (ضوابط) بيئية. في حالة التعرض لمثل هذه الضوابط يعجز الحيوان عن التعلم، ويعجز دماغه عن النمو والنضج. فمن الثابت (من تجارب روزنزفيج وغيره) أن النمو الجديد الهائل للخلايا الدبقية وزوائد التشجرات والوصلات المشتبكية يعتمد على نشاط الأفراد واتصالهم النشط ببيئة ثرية.
وعلى المستوى العلمي تعد الكشوف عملية ثورية وإبداعية، وهي دائما أيضا نتاج لنشاط كبير: نتاج لطريقة جديدة في النظر إلى المشكلات، ونتاج نظريات جديدة، ونتاج أفكار تجريبية جديدة، ونقد جديد، واختبارات نقدية جديدة.
وعلى المستويات الثلاثة جميعها هناك تفاعل وتآزر بين الميول المحافظة والميول الثورية. فمن شأن الميول المحافظة أن تحمي الإنجاز البنائي المعقد وتحفظه، ومن شأن الميول الثورية أن تضيف تنويعات جديدة إلى هذه البنيات المعقدة.
31
ونحن لا نجد في أي من هذه الإجراءات التكيفية لتعلم أشياء جديدة وصنع كشوف تكيفية أي أثر من قبيل الإجراءات الاستقرائية، أو أي شيء من قبيل الكشف بالاستقراء أو التكرار. فالتكرار وإن كان يلعب بالفعل دورا ما في التكيف السلوكي، إلا أنه لا يسهم في الكشوف. إنه بالأحرى يعمل على أن يستوعب الكشف الذي تم، ويحوله إلى وتيرة غير إشكالية، ومن ثم يجعله شيئا لا شعوريا. (هكذا الحال مثلا في المهارات المكتسبة مثل المشي وقيادة الدراجة والعزف على البيانو ...) التكرار أو الممارسة ليسا طريقة لاكتساب تكيفات جديدة، بل طريقة لتحويل التكيفات الجديدة إلى تكيفات قديمة، إلى خلفية معرفية مسلم بها، إلى ميول لا شعورية.
صفحة غير معروفة