كان أول تجاوز لهذه النظرية هو تصور نيوتن للجاذبية، فالجاذبية النيوتونية تتخطى ديكارت من جهتين: (1) فهي تقول بالجذب لا بالدفع. (2) وهي تقول بالتأثير المتبادل للأجسام عن بعد وبدون تلامس، وبذلك أعلن خلفاء نيوتن أن خاصية الجذب هي خاصية أساسية للمادة لا يمكن، ولا يلزمها، أن تفسر بأي شيء آخر.
والحدث الآخر في تاريخ تجاوز المادية لذاتها كان هو اكتشاف طمسون
Thomson
للإلكترون، والذي شخصه طمسون على أنه شظية دقيقة من الذرة، هكذا أمكن للذرة أن تنقسم، وهي غير القابلة للانقسام بحكم التعريف (
Atom
تعني حرفيا اللامنقسمة)، واستطاعت النظرية الجديدة - أن تفسر الدفع بين أجزاء المادة (عدم قابلية المادة للاختراق) بواسطة التنافر الكهربي بين الجسيمات المتساوية الشحنة (القشرة الإلكترونية للذرات)، كان هذا شيئا مقنعا، غير أنه دمر فكرة أن الدفع هو نموذج لكل فعل علي فيزيائي، وقد عرفت بعد ذلك جسيمات أولية لا يمكن وصفها بأنها أجزاء مادية مشحونة أو غير مشحونة؛ لأنها في الحقيقة غير ثابتة-إنها تنحل، وفضلا عن ذلك فحتى الجسيمات الثابتة مثل الإلكترونات يمكن أن تفنى أزواجا فتنتج الفوتونات (كمات الضوء)، ويمكن أن تخلق من فوتون (شعاع جاما)، ولكن الضوء ليس مادة ، وإن جاز لنا القول بأن الضوء والمادة هما شكلان من الطاقة.
4
هكذا تم التخلي عن قانون بقاء المادة (أو الكتلة)، فالمادة ليست جوهرا
Substance ؛ لأنها غير ثابتة، فمن الممكن أن تدمر، ومن الممكن أن تخلق، وحتى أكثر الجسيمات ثباتا، أي النويات، يمكن أن تدمر باصطدامها بجسيمات مضادة، إذ تتحول طاقتها إلى ضوء، لقد تكشف أن المادة هي «طاقة معبأة» قابلة للتحول إلى صور أخرى من الطاقة، وهي من ثم شيء له طبيعة «العملية»
، ما دام بالإمكان أن تتحول إلى عمليات أخرى مثل الضوء، ومثل الحركة والحرارة بطبيعة الحال.
صفحة غير معروفة