سبق أن قلنا إن البنية المنطقية ذاتها للتحليل النفسي تجعله غير قابل للتكذيب، وبالتالي تجعله شبه علم. إن الصياغة ذاتها للنظرية، وطبيعة المفاهيم الأساسية لها تجعلها مائعة رواغة يصعب الإمساك بها واستخلاص «مكذبات » لها «بالقوة»
Falsifiers . كما أن ترسانة الفروض المساعدة
Auxiliary
والعينية (التحايلية)
ad hoc ، والمناورات التعريفية والاصطلاحية، وأرتال الشروط والمحاذير والتحفظات، كل أولئك من شأنه أن يجعلها مسيجة ممنعة «مصمتة استنباطيا» إن صح التعبير؛ أعني أنك لا تستطيع أن تستنبط منها عبارات إمبيريقية مضادة تعول عليها في عملية الاختبار. وكثيرا ما تنال هذه المداورات الكثيرة من الاتساق الداخلي للنظرية وتحول القضايا الكلية إلى قضايا جزئية يستحيل دحضها. فمهما تأت نتيجة الاختبار فإن جزءا من النظرية سيظل صائبا وبمنجاة من التفنيد.
ومن أمثلة هذه التحصينات المضادة للتكذيب:
التناقض الوجداني
Ambivalence : أي وجود شعورين متناقضين يعتملان في نفس المرء تجاه الشيء الواحد في الوقت الواحد. وهو حق ولسنا بصدد إنكاره (وقد نوه بوبر نفسه بذلك وذكر أنه لا ينكر وجود التناقض الوجداني بحد ذاته). غير أن هذا المفهوم يضع على كاهل النظرية عبئا منطقيا عليها أن تحمله ولا تتملص منه، وعليها ألا تترك مثل هذا المفهوم الرواغ يتداخل مع كل شيء دون ضابط ودون معيار. وإلا فهو يتحول في النهاية، كما نلمس جيدا في تأويلات المحللين، إلى فرض عيني تحايلي
ad hoc
يرتقون به كل فتق ويصادرون به دون دليل.
صفحة غير معروفة