يميز بوبر في الحقيقة الأمر بين عوالم ثلاثة متبادلة التأثير والاعتماد:
العالم 1:
هو العالم الفيزيقي.
العالم 2:
هو العالم العقلي الذاتي.
العالم 3:
هو العالم الموضوعي للنظريات والرياضيات والأدب والفن ... إلخ الذي توجد داخله علاقات منطقية موضوعية، وهي موضوعية بمعنى أنها مستقلة عن وعي العقول الفردية ودرايتها.
تنشأ موضوعات العالم 3 بواسطة عقول العالم 2، استجابة في الأغلب مشكلات مدركة في العالم 1، غير أنها ما إن تتم صياغتها حتى يصبح لها وضع موضوعي يتجاوز نيات الفرد. ومع ذلك فقد ركزت الفلسفة التقليدية على المعرفة بمعناها الذاتي، أي ما يتسنى للشخص المفرد أن يعرفه؛ وكان منطلقها هو أنه من العقل الفردي فقط ومما يمكن أن يعرفه العقل الفردي بالفعل يمكن تبرير أية دعاوى معرفية جديدة. إلا أن معظم المعرفة البشرية بالمعنى الموضوعي ليست معروفة من قبل أي شخص بالمعنى الذاتي. فالمعرفة البشرية، وبخاصة المعرفة العلمية، تتألف كلها تقريبا من «معرفة بغير ذات عارفة».
19
أدرك بوبر مدى الثراء والخصب الذي تنطوي عليه فكرة «موضوعية المعرفة»، فهي علاج ناجع لتلك الذاتية المفرطة التي تسود مجالات كالفن والأدب وربما الأخلاق. يريد بوبر أن يقول إن هذه الأنشطة وإن تكن اختراعات بشرية، فهي ليست مجرد تعبير عن مشاعر إنسانية ذاتية. فكما أن الرياضيات من اختراع العقل البشري، ولكنها تخضع لمعايير موضوعية وتضم مشكلات حقيقية وإجابات صحيحة أو خاطئة عن هذه المشكلات، كذلك الحال بالنسبة للفن مثلا، فهو يطرح مشكلاته الخاصة ثم يحلها أو يفشل في حلها.
صفحة غير معروفة