============================================================
ومن ثم كان بعض مشايخي رحمه الله تعالى يقول: الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كالذي يتوضأ دائما ولا يصلي لله ركعة، وكان كثيرا ما يقول لبعض تلامذته: توضأ وصل إشارة إلى ذلك، أي كما علمت علما نافعا فاعمل به وإلا فقد قال الشاعر رحمه الله تعالى: لو كان العلم من دون التقى شرفا لكان من خير خلق الله إبليش نور المعرفة بالله تعالى: ومن ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية - أي إنما المقصود منه العمل الذي توجبه الخشية اللازمة للعلم - وأما قوله في النظم: يخل ليل حالك(1) أي بنهار المعرفة بالله تعالى الذي هو مع كمال ظهوره في الخلق احتجب عنهم بصفة غناه الذاتي، واحتجب عنهم بكونه مقدسا عن صفات الكائنات، والشيء لا يدرك ما ليس فيه فلا ثذرك الكائنات له فبالضرورة احتجب عنهم واحتجب عنهم بقهره لمدركات الكائنات أن تصل إليه.
هذا وكمال الظهور لا ينافي الاحتجاب كنور الشمس بالنسبة إلى أبصار الخفافيش، بل قد يستلزم كمال الظهور الاحتجاب فإن نور الشمس لما كان في غاية الإشراق التبس على بعض الناس أنه ليس سوى ألوان الأشياء، ولولا ظهور التفرقة بين النور واللون بغروب الشمس لدام الالتباس بأن نور الشمس ليس إلا ألوان الأشياء، لكن إذا غربت الشمس لم توجد ألوان الأشياء أصلا، فعلم أن نور الشمس شيء آخر، وألوان الأشياء شيء آخر.
(1) في النظم المتقدم أول الكتاب
صفحة ١١٨