============================================================
فالسالك إذا تحقق بهذا الافتقار فقد تبع النبي في أشرف مقاماته من رؤية شر النفس الذاتي في مقام طمأنينتها وكمال صفاتها، لأن ما بالذات لا يرتفع بالغير بالكلية، وهذا نظر دقيق لا ينكشف إلا لكامل المعرفة بحيث لا يغتر بما ظهر من صفاتها ومطاوعتها.
أعظم آفات النفس: ومن أعظم آفات النفس على السالك أنه ربما يترائى له باهتزاز النفس دعوى الفناء بالله تعالى والبقاء به وهما من خواص القلب ونهضاته، والنفس كاذبة في دعوى ذلك إذ لا وجودها معهما، فكيف تدعيهما؟
لكنه يشتبه الأمر على السالك فيظن أنه بالله يصول وبالله يقول وبالله يتحرك، فينسب فعل نفسه إلى الله والعياذ بالله من ذلك، وذلك حيث ابتلي بنهضة النفس ووثوبها وهو لا يشعر بذلك بل يتوهم أنه في مقام القلب وتنوره بنور الروح، ثم تظهر له غائلة ذلك.
ولا يقع هذا الاشتباه إلا لأرباب القلوب وأرباب الأحوال إذا ردوا إلى مقام النفس من غير شعور منهم أو استرقث أنفسهم السمع من القلب فتنتهض فيردوا إليها من غير شعور منهم بذلك.
الكمل وآفات النفس: وأما الكمل فهم عن ذلك بمعزل، إذ لا يتأتى لهم دعوى ذلك بالنسبة إلى أنفسهم، وهذه مزلة قدم مختصة بمن ذكر إذ يدعون الإلهية لأنفسهم، وينسبون أفعالها إلى الله مع أنها لم تنتعش قلوبهم بالنور الإهي، ولم تسكر بالحال حتى تعفى عنهم تلك الدغوى.
صفحة ٢٢