عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم - سليمان بن إبراهيم بن محمد العايد
الناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
تصانيف
والفرائض، والسنن بالعربية" (١) .
لولا الإسلام، والقرآن لم تحظَ اللُّغةُ العربيَّةُ بما حظيَتْ به من خدمةٍ، بتدوين علومها، وتبويب مسائلها، وتتابع أجيالٍ فأجيالٍ على النظر فيها جمعًا، وتأليفًا، وتقعيدًا، وبحثًا عن أوجه جمالها، وإعجاز قرآنها، وتمجيدًا لها وتعظيمًا، ليس من أبنائها ذوي الأعراق العربيّة، وإنما من أبنائها ذوي الأصول الأعجمية، ممّن كانت لغتهم الأُمّ أو الأولى غير العربيّة؛ إذ من المعروف أن عددًا غير قليل من أبناء الشعوبِ الإسلامية انتحلوا العربيّة، فصارت لغتهم ولسانهم، وتناسوا بل هجروا لغتهم الأُمَّ، وكتبوا في تمجيد العربية، وبيان فضلها، والتعصُّب لها ما لم يكتبه قلمٌ من صليبةٍ عربيَّةٍ، ولنا أن نمثِّل في هذا السياقِ بجمهرةٍ من علماء العربية وغيرهم من مثل أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت ٢٥٥هـ) وأبي حاتم الرازي (ت ٣٢٢ هـ) وأبي علي الفارسي (ت ٣٧٧هـ) وأحمد بن فارسٍ (ت ٣٩٥) وأبي حيَّان التوحيدي (ت ٤١٤هـ) . وكانوا جميعًا من أعراقٍ غير عربيّة، ولم تمنعهم تلك الأعراق عن الإشادة بالعربيّة تمجيدًا لها وتعظيمًا، وتفضيلًا وتقديمًا، ليس لهم دافع إلاّ أنهم مسلمون، قرؤوا القرآن، ورأوا ما فيه من أوجه البيان، وسر النظم، ودلائل الإعجاز، ورأوا أن لُغةً اختيرتْ لهذا الكتاب لم يكن اختيارها عبثًا؛ لأنّ الاختيار من رَبِّ العالمين، ذي الخلق والأمر، اختص بالرحمة وقسمتها، كل شيءٍ عنده بحكمةٍ ومقدار، يخلُقُ ما يشاءُ ويختار ما يشاء، له الحكمة البالغة في ذلك.
_________
(١) أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت ٣٢٢ هـ) كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية / تحقيق حسين بن فيض الله الهمداني / مركز الدراسات والبحوث اليمني / ط الأولى / سنة ١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م / ص ٧٥.
1 / 6