عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم - سليمان بن إبراهيم بن محمد العايد
الناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
تصانيف
للقرآن وبيانه.
وهذه البابة من العلم بحاجةٍ إلى أن تسترعي نظر طالبي علوم القرآن وعلوم العربيّة؛ لأنّها مّما دقَّ حتّى كاد يخفى، ومِمّا أهمل حتّى كاد ينسى، في ظلّ انصراف طلاّب العربيّة إلى قواعد يتحفّظونها، والاكتفاء بمصنفات متأخِّري النحاة، بمعزلٍ عن أصل البيان، وفي ظلِّ اشتغال طلبة علوم القرآن بمنظوماتٍ في التجويد والقراءة، يكرِّرونها بمعزلٍ عن أصول علمهم الشريف، ونشأته الأولى.
غنيٌّ عن التأكيد أن القرآن أعلى نصّ في العربية، وأقواه من حيث صحة سنده، وكيفية هذه الصحة، وينفرد عن غيره من نصوص العربية، بأنّه رُوِي سماعًا شيخًا عن شيخ يبلغون به رسول الله ﷺ عن جبريل
﵇ عن ربِّ العالمين. وليس في الدنيا نصّ تحقّقت فيه هذه الميزة. ولا غَرْو أن يجعله علماء العربية، كما جعله علماء الشريعة الحجّة الأولى لإثباتِ اللغة. وتقرير قواعده، وأن يجعلوه في مرتبةٍ أسمى وأعلى من قياساتهم النحوية، فكان من ذلك ما يسمّونه الاحتجاج بالقراءات ولها، وهو نمطٌ لم يكن وليد قرنٍ متأخر كالرابع الهجري مثلًا، كما قد يتبادر إلى الذهن من ظهور مؤلّفاته، وأنّ رجاله المؤسِّسين جميعًا، أو أكثرهم على الأقلِّ عاشوا فيه، بل نجد من هذا شيئًا غير قليل في كتب النحاة الأوائل، ومقالاتهم، ومجالسهم، وأماليِّهم، وما ذلك على العربيّة بغريبٍ؛ لأنّها في أصل وضعها، ونشأتها إنّما قامت لتخدم القرآن، وتبين عن وجه ما يخفى وجهه، بالتنظير له من كلام العرب شعرها ونثرها، ولعلّ ما مرَّ من حديثٍ عن "معاني القرآن" كافٍ في شرح الفكرة وبيانها.
1 / 58