وكل الذي كتبنا هراء
العصا
6
الحياة رموز، والدين والسياسة والثقافة رموز، والأشكال الأدبية كلها رموز. يعيش الإنسان في عالم من الرموز، ومهمته فك الشفرة ومعرفة دلالات الرموز. ضاقت الحياة بالعبارة؛ فكلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة، كما لاحظ النفري، فتحولت إلى حروف، والحروف إلى أرقام، حتى أصبحت الأرقام (الديجيتال) سمة العصر.
وتؤثر هذه الرموز في اللاوعي الديني والسياسي والثقافي وتنبثق منه، وتحليلها جزء من الأنثروبولوجيا الثقافية وسبر أغوار النفس. ولما كنا بعد عدة تجارب سياسية على مدى قرنين من الزمان ، منذ محمد علي حتى عبد الناصر، نحاول بناء الأوطان، وتعثرت محاولاتنا عدة مرات بتكالب الغرب على محمد علي وإنهاء مشروعه، وتكالبه مرة ثانية، الاستعمار والصهيونية، للقضاء على عبد الناصر الذي أراد استئناف المشروع الأول؛ نهضة مصر من أجل القضاء على استقلال مصر وتفردها في محيطها.
ومن ضمن هذه الرموز العلم الوطني الذي يعكس بؤرة الحياة الدينية والجغرافية والسياسية. العلم الكوري في وسطه الدائرة المنقسمة إلى أنصاف دائرة، الرمز البوذي. والعلم السويسري والبريطاني وسطه الصليب رمزا للمسيحية، أو الصليب المعقوف رمزا للنازية. والعلم التركي والمصري قبل الثورة وسطه الهلال والنجوم رمزا للشهور العربية والانتماء الإسلامي. وقد يكون الرمز جغرافية، مثل شجرة الأرز في علم لبنان، وورقة الشجر في العلم الكندي. وقد يكون سياسيا مثل المطرقة والسندان في العلم الروسي والصيني للدلالة على ثورة العمال والفلاحين. وقد يكون النجوم التي ترمز إلى الوحدات السياسية، الولايات، في الدول الاتحادية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو تجارب الوحدة في الوطن العربي، الجمهورية العربية المتحدة، نجمتان، والوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق، ثلاثة نجوم. وما زال القوميون يأملون في علم عربي واحد به اثنتان وعشرون نجمة.
وقد تغني الألوان عن الرسوم والأشكال منذ الثورة الفرنسية في العلم المثلث الألوان الشهير، الأحمر والأزرق والأبيض بالطول في فرنسة، وبالعرض في إيطاليا. وقد يضاف إليها الأسود علامة على العهد البائد في ألمانية. وقد تكون أرضيته حمراء إيثارا للثورة على غيرها مثل العلم الصيني والروسي، أو التحرر الوطني مثل العلم المغربي. وقد تكون الأرضية خضراء رمزا للزراعة والأرض الخضراء في تركية ومصر قبل الثورة. وقد تجتمع عدة ألوان؛ الأسود رمزا للعهد البائد، والأحمر رمزا للثورة، والأبيض رمزا للسلام.
وقد توضع رموز القوة مثل السيف والصحراء والقبيلة في علم المملكة العربية السعودية مع الكلام، عبقرية العرب التي تجلت في الشعر، ثم ورثها الوحي «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». وفي الصراع السياسي يستبدل كلام بكلام مع تعدد الألوان الثلاثية، وعليها «الله أكبر» توظيفا للدين في الحرب، كما هو الحال في العلم العراقي بعد حربي الخليج الأولى والثانية استنهاضا للدين ضد إيران والخليج، ضد الشيعة والسنة على حد سواء. أما صقر قريش فهم مخفوض الجناحين، وليس كالنسر الأمريكي الفارد الجناحين ليضم العالم كله شرقا وغربا. وعديد من البلدان الشمالية والأمم المتحدة تستعمل اللون الأزرق رمزا على زرقة السماء وصفاء الروح وكتائب حفظ السلام (القبعات الزرق).
وقد يوضع في بعض الشعارات السياسية المصحف مع السيفين دليلا على القوة المستندة إلى الكتاب. والخطورة أن تكون هناك قوة تستمد من الكتاب شرعيتها دون رقابة من الكتاب عليها. الخطورة أن يتحول الكتاب إلى مصدر للعقوبات باسم تطبيق الشريعة، والوقوع في النصية والحرفية دون الواقع ومصالح الناس، «واحتمى أبوك بالنصوص، فدخل اللصوص.» الخطورة أن يرمز الكتاب إلى التقاليد والعلم المكتوب؛ فالعلم ليس في كتاب، بل في قدرة العقل على فهم قوانين الطبيعة واستقراء قوانين التاريخ، قيام المجتمعات وسقوطها، العلم الطبيعي والعلم الإنساني.
ومن الرموز المرئية طريقة تحية الرؤساء العرب والمسلمين الرجال، مثل تقبيل الوجنتين والأنف والكتف واليدين طبقا لدرجة علو الرؤساء. وقد أثرت هذه العادة في الرؤساء الأوروبيين في استقبالهم للرؤساء العرب بتقبيل الوجنتين، بالإضافة إلى عاداتهم في تقبيل الرؤساء الرجال للرئيسات النساء؛ فتقبيل الرجل للرجل حتى ولو كان رئيسا له مغزى، وتقبيل الرجل للمرأة له مغزى آخر، وكلاهما تقاليد اجتماعية تختلف من شعب إلى آخر.
صفحة غير معروفة