هل نجح أم خاب في حياته المدرسية؟
مثل هذه الأسئلة تنيرنا، إذا استطعنا أن نحصل على الإجابات الصحيحة عنها؛ أي: عن كثير من البواعث التي تبعث الفنان على اتخاذ اتجاه أو أسلوب معين.
وهذا التعمق السيكلوجي للفنانين والمؤلفين، ودلالة حياتهم العائلية الأولى في إنتاجهم الأدبي أو الفني، وفي مذاهبهم الاجتماعية أو السياسية، لا يمكن أن نحققه إلا إذا كان هؤلاء قد اعتادوا التأليف عن حياتهم الشخصية، ومما يؤسف عليه كثيرا أن قليلين من أدباء العرب قد عرفوا الترجمة الذاتية، ولو أنهم كانوا قد عرفوها ومارسوها لأنارونا عن عصرهم وبيئتهم وأوضحوا لنا العوامل التي كونت مؤلفاتهم وفنونهم.
وفي عصرنا وبيئتنا المصرية لا تزال «الترجمة الذاتية» بعيدة عن الوجدان الأدبي، وهذا نقص عظيم نأسف عليه نحن، كما سوف يأسف عليه أكثر، أجيالنا القادمة.
الأحلام ومغزاها
تضطرنا الحضارة إلى أن نكظم عواطفنا، فتنحدر هذه العواطف في كياننا النفسي إلى أعماق لا نسبرها، ومجموعة هذه العواطف المكظومة نسميها «الكامنة» أي: العقل الكامن؛ لأن هذه العواطف المكظومة ليست راكدة، ولكنها كامنة متربصة، وهي - من حيث لا ندري - تؤثر في سلوكنا وتصرفنا وتوجهنا وجهات في الحياة نعجز عن تعليلها إلا بعد التحليل الشاق.
ومهما ظننا أننا نعيش الحياة الوجدانية الموضوعية المنطقية فإننا في الواقع ننساق ببواعث هذه الكامنة فنعيش حياة عقيدية استغراضية؛ أي: قائمة على هوى معين، فنؤثر أشياء ونبرر سلوكنا بالوجدان، وقليل منا - بل قليل جدا - من يستطيع أن يكشف عن بواعث هذه الكامنة، ويسلط وجدانه على سلوكه.
وهذه العواطف المكظومة تبدو لنا سافرة أو كالسافرة وقت الاسترخاء؛ أي: حين يزول عنا التوتر النفسي الذي يطالبنا به الواجب والفضيلة والشرف والمروءة؛ أي: حين يزول عنا الوجدان الذي نكظم به عواطفنا، فبعد الغداء مثلا حين نقيل، أو حين نأوي إلى الفراش قبل النوم في الليل، نسترخي ونفرج عن عواطفنا المحبوسة، فنجد أننا نتخيل خيالات نسعد بها - وقد يكون بعضها فاسقا - وعندما يتم هذا الاسترخاء في النوم نحلم أحلاما تجد فيها العواطف المكظومة أوسع المجال للتعبير - بل العربدة - أي إن ما لا نجيزه لأنفسنا بالوجدان في صحونا نستبيحه بالحلم في نومنا.
ونحن ننحدر في النوم إلى درجة التطور الحيواني، حتى إننا في الأحلام نجد التفكير يجري بصور متتابعة خالية من الكلمات إلا قليلا جدا؛ لأن اللغة طور جديد راق في البشر، والحلم هو ردة إلى العواطف التي لا تحتاج في تعبيرها وعربدتها إلى لغة.
ولما كان الحلم خاليا - في الأغلب - من الحديث والكلمات فإنه يسير بالرموز؛ ومن هنا الصعوبة في تفسيره، كما أننا نستطيع أن نستنير به في الوقوف على نشأة التفكير عندنا؛ فإننا ننظر إلى الدنيا في الحلم «كما لو كانت كذلك»؛ أي إن الإنسان البدائي حين واجه الدنيا وهو عاجز عن فهمها صار يحاول هذا الفهم «كما لو كانت كذلك» فالسماء سقف تقعد عليه الآلهة، والرعد إله غاضب يزمجر، وصار يظن أنه يستطيع أن يقتل الحيوان بأن يرسم صورته على الصخر وفي بطنه حربة، فهو لم يكن يستطيع الوقوف على كنه الأشياء، فصار يحاول فهمها بأن يفرض أنها على حال مشبهة من ممارساته اليومية، ونحن حين نرى الحلم مقنعا حافلا بالرموز التي تحتاج إلى تفسير؛ إنما نرى في الحقيقة محاولة بشرية بدائية للتفكير، ومن الحلم نعرف كيف نشأت اللغة بكلماتها؛ أي: رموزها كما نعرف البواعث الخفية في كياننا النفسي، هذه البواعث التي ننكرها في صحونا؛ لأن وجداننا يطالبنا بالمنطق في وسط الحضارة فتثب هي في نومنا.
صفحة غير معروفة