الذكاء: هو القدرة على الانتفاع بالاختبارات، بحيث إذا وقع لي حادث فإني أستخرج المغزى منه وأسلك في المستقبل بمقتضى ذلك.
والذكاء: هو القدرة على التفكير المجرد؛ أي: التفكير في العلاقات البشرية كالمروءة والشهامة والجمال والرذيلة.
والذكاء: هو القدرة على زيادة القدرة؛ فإذا شرعت في درس التجارة أو الآداب أو الرياضيات استطعت أن أزيد فهمي لها بالدراسة.
والذكاء: هو القدرة على أن ألائم بيني وبين الوسط الجديد؛ أي: الكيفية التي أعالج بها الحالات الطارئة التي لم أتعودها، ولكني، بالتمثيل والقياس والاستقراء أسلك السلوك السوي.
ولكن كل هذا الذكاء هو في خدمة الغرائز، ولا تزال عواطفنا (= التهاب غرائزنا) مثل عواطف الحيوان، لم تتغير، ولو أنها كانت قد نقصت في حدتها لاستطاع ذكاؤنا أن يتحرر، وأن يسير على قواعد المنطق، ولكننا في اشتهائنا للجنس الآخر، وللطعام، وفي غضبنا وخوفنا وطمعنا، لا نختلف عن الحيوان؛ ولذلك تسوقنا هذه العواطف وتخفت ذكاءنا أو أحيانا تلغيه، فقد ألغت هذه العواطف ذكاء هتلر، فاندفع في عدوان قضى على ألمانيا، وهذه العواطف أيضا تلغي ذكاء تشرشل والمحافظين الإنجليز فتجعلهم لا يبالون مجاعة تعم الهند وتقتل مليون هندي كي يعيشوا هم في ترف.
ولكن هذه هي الناحية السيئة للعواطف، أما الناحية الحسنة فكلنا يعرفها؛ إذ لا قيمة للذكاء بتاتا بلا عواطف تحركه وتنشطه، والعبقري هو في النهاية ثمرة الذكاء العظيم والإرادة العظيمة، وذكاء بلا إرادة يركد ولا ينتفع به، ولكن الإرادة ثمرة الوجدان الذي يستخلصها من العواطف، والذكاء يتحيز المخ، أما العواطف فتتحيز الثلاموس.
وإذا تأملت الإنسان والقرد وجدت أن حيز المخ عندنا كبير جدا بالمقارنة إلى الغوريلا، ولكن حيز العواطف عندنا كبير أيضا لم يقل، بل يزيد على حيزه عند الغوريلا.
والذكاء قدرة عامة؛ أي إن الذكي الذي يتضح ذكاؤه في درس الأدب، كان يمكن أن يتضح ذكاؤه أيضا في درس الهندسة أو الطب أو التجارة أو الزراعة، ولكن إلى جنب هذه القدرة العامة نجد قدرات خاصة، كالمهندس العظيم الممتاز بالقدرة العامة في الهندسة ثم نجد له قدرات خاصة أخرى في العزف على الكمان أو في النجارة؛ فالعزف والنجارة لا يدلان على ذكاء عام، ولكن الهندسة تدل على ذكاء عام، وقد نجد سياسيا يحسن الخط أو الرسم؛ فالقدرة العامة هنا - أي الذكاء - هي السياسة، والقدرة الخاصة التي لا تحتاج إلى ذكاء كبير هي إحسان الخط أو الرسم، والنبوغ في السياسة أو الطب أو الهندسة أو الآداب يحتاج إلى ربط علاقات بشرية كثيرة تتحيز أكبر مكان من المخ، أما المهارة الصغيرة في الخط أو الرسم أو النجارة أو الموسيقى فلا تحتاج إلى شبكة كبيرة من الارتباطات ، وهي تتحيز مكانا صغيرا من المخ قد لا يدل النبوغ فيها على ذكاء عام.
وذكاؤنا موروث، وهو لا يختلف عن وراثتنا لأعضائنا كالأنف الأشم أو العين النجلاء أو الفم الصغير، ونمو الذكاء عندنا يستمر إلى السابعة عشرة، أو أنه يقف بين سن ال 16 أو سن ال 17، وما نرى من اختلاف عظيم بين متعادلين في الذكاء إنما يرجع إلى المهارة التي كسبها أحدهما بالتجارب والاختبارات، أو أن لأحدهم إرادة قوية تحت الذكاء، وللآخر إرادة ضعيفة.
وعلى كل حال يجب ألا نجزم؛ فإن هناك فريقا كبيرا بين السيكلوجيين في الولايات المتحدة يقول بأن الذكاء يزداد بالتعليم والاتجاه الثقافي الجدي، وهو يبني هذا القول على تجارب بين الذين اختبر ذكاؤهم في المدارس الثانوية وعرف، ثم اختبر بعد ذلك بنحو عشر سنين حين كان بعضهم قد اتصل بالجامعة ودرس، وكان البعض الآخر قد كف عن الدراسة ولم يدخل الجامعة، فوجد أن الذين دخلوا الجامعة ازداد ذكاؤهم.
صفحة غير معروفة