وليس يعني قولنا هذا أننا نذهب إلى الطرف المقابل لاشتراك اسم الوجود، فنزعم أنه يطلق بالتواطؤ، أي بالتوافق والانطباق بمعنى واحد، كما ينطبق اسم الجنس على كل نوع من أنواعه، واسم النوع على كل فرد من أفراده. العامة يظنون أن تجريد المعاني واحد في كل حال، بل هكذا ظن بارمنيدس وسبينوزا وسائر الفلاسفة الاسميين. وقد فاتهم أنه لما كان الوجود في كل موجود واقعا على الماهية والأغراض جميعا، وكانت الموجودات متغايرة؛ بعضها بالماهية والأعراض، وبعضها بالأعراض فقط، فليس يمكن تجريد معنى الوجود تجريدا تاما، بل يجب أن يكون المعنى المجرد ههنا مختلطا غير معين؛ لضرورة اشتماله ضمنا على ماهيات وأعراض متغايرة. بينما التجريد التام للجنس ممكن دون ملاحظة الأنواع؛ لتحققه هو هو في جميعها، وطروء الفصول النوعية خارج حده كطروء النطق على الحيوانية في الإنسان، وبينما التجريد التام للنوع ممكن دون ملاحظة الأفراد؛ لتحققه هو هو في جميعها، وطروء الأعراض الشخصية خارج حده كذلك. وكما أن القول باشتراك اسم الوجود يركز الوجود في الله فيفضي إلى وحدة الوجود، كذلك يفضي إليها القول بتواطؤ اسم الوجود أي تجريد الوجود معنى واحدا من كل وجه، وذلك لاستلزام هذا القول اعتبار الفوارق وبين الموجودات مظاهر موجود واحد مقابل للمعنى المتواطئ. «فلم يبق أن يدل اسم الموجود على الموجودات إلا بضرب من ضروب التشكيك»
12
الذي هو اتفاق من وجه واختلاف من وجه. والضرب الذي يعنينا في هذا المقام هو الدال على مشاركة حقيقية من كثيرين مختلفين بالماهية في صفة ما، ولكن لاختلافهم بالماهية تجيء المشاركة في الصفة مختلفة في كل نوع منهم، من حيث إن الصفة يجب أن تكون في الموجود على قدره وتبعا لماهيته، كما لو أطلقنا لفظ العارف على الله وعلى الإنسان والحيوان، فلا شك أن المعرفة هي في كل على حسب ماهيته لا على نحو واحد،
13
ويسمى هذا «تناسبا»؛ إذ إنه يعني أن المعرفة في الله هي بالنسبة إلى الذات الإلهية كالمعرفة في الإنسان بالنسبة إلى الماهية الإنسانية.
14
والكثيرون المشاركون في صفة مترتبون بحسب درجتهم في الماهية، فتقال الصفة بالذات على أولهم، وبالمشاركة على الآخرين كل تبعا لدرجته. وبناء على هذا يطلق الوجود بمعنى حق على كل موجود، لكن بالتناسب، أي مع ملاحظة أن الوجود هو في كل موجود على حسب هذا الموجود؛ وبالترتيب، أي مع ملاحظة أن الوجود يطلق أولا بالذات على الله واجب الوجود أو الموجود بذاته، ويطلق ثانيا وبالمشاركة على المخلوقات. وهكذا الحال في أسماء كثيرة، كالوحدة والحقية والخيرية والجمال والعقل والإرادة والحرية وما إليها
15
فنتفادى وحدة الوجود.
16
صفحة غير معروفة