إنما نعني بها ما يملأ النفس لا ما يملأ الرءوس أو يملأ الصفحات.
وبهذا المعنى عرفت العقيدة الدينية أكثر من تعريف واحد في أقوال المفكرين العصريين، سواء منهم من وصل إلى اعتقاد واضح يطمئن إليه ومن لم يزل في الطريق، على أمل في الوصول أو على يقين بأن الطريق غير موصد في وجوه الساعين والمتطلعين. •••
بدأ القرن العشرون وعلماء النفس يستحسنون في تلخيص جوهر الديانة مذهب وليام جيمس الفيلسوف الأمريكي المخضرم بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وفحوى مذهبه أن جوهر الديانة هو الإيمان بالبقاء، وأن هذا البقاء مرهون بوجود قوة صديقة للإنسان وراء الظواهر الكونية أو المادة العمياء.
ومما هو جدير بالنظر أن هذا التلخيص من رأي فيلسوف متخصص للدراسات النفسية، وليس من رأي العلماء المتخصصين للبحث في تواريخ الأديان.
ويستحسن اليوم رأي جوليان هكسلي - عالم الأحياء المشهور - في كلامه عن الوحدة بين العقائد الدينية المترقية أو الهابطة على اختلاف طبقاتها، وقد أجمله في تقديمه لمجموعة الآراء التي أذاعتها طائفة من علماء العصر ونشروها باسم «العلم والدين» ... فقال بعد تمهيد موجز عن أثر العلم في العقيدة:
لكن هل هناك في الحق روح دينية واحدة؟ هل هناك في الحق عناصر مشتركة توجد مثلا في نحلة الصحابيين
1 (Quakerism)
ووثنية أبناء الكنغو، أو توجد في زهادة البوذية ونزعاتها الصوفية وفي شناعات الدين المكسيكي القديم؟ هنا أيضا يساعدنا النظر في الديانات المقارنة، فنعلم أن الروح الدينية لا تكون واحدة على اختلاف العصور واختلاف طبقات الثقافة، ولكنها على الدوام تحتوي بعض العناصر المشتركة، فلا يزال الشعور «بالقداسة» كامنا في قرارة كل عقيدة دينية، ولا يزال كامنا فيها كذلك شعور بالتسليم والاتكال؛ لأن الإنسان محوط بقوى لا يستطيع فهمها ولا يستطيع السيطرة عليها، ويدخل أخيرا في كل ديانة نزوع إلى التوضيح والتفسير والإدراك، إذ يعلم الإنسان أنه محوط بالخفايا ويطلب منها على الدوام أن تكون ذات معنى.
إلا أن شعور القداسة هو أعمق الأسس في عناصر كل ديانة، وهو لباب كل حاسة جديرة أن توصف بالصفة الدينية، ولولاها لما كانت للإنسان ديانة على الإطلاق ...
وقد اعتمد جوليان هكسلي في الواقع على الشعور النفساني في رأيه هذا أكثر من اعتماده على تواريخ الأديان، فإنه شعر بقداسة الدين قبل أن ينشدها ويتحقق وجودها في عقائد الأولين والآخرين. •••
صفحة غير معروفة