ومن هؤلاء الفلاسفة الذين ينظرون فيما وراء الطبيعة من يقابلون الغلو الوضعي بغلو مثله أو أبعد منه مدى في الناحية الأخرى، فينفون وجود معرفة قط تستغني عن النظر فيما وراء الطبيعة، ولا يستثنون من ذلك معارف الحسيين والواقعيين في أضيق حدودها.
تناول سدني هوك دعوى القائلين إن الفكر نفسه هو آلة العمل، فقال: إن هذه الدعوى نفسها غير ممكنة ما لم يسلم أصحابها أن هناك مقررات غير حسية؛ لأنهم يقررون وجود عالم لم تخلقه قوة عاقلة، كما يقررون وجود فكر فيه يعمل، ووجود تغييرات يحدث بعضها بمشاركة الفكر وبعضها بغير مشاركته، وأن التغييرات التي يشترك فيها الفكر ليست مثالية أو عقلية في جوهرها.
1
غير أن المذاهب الوسطى من مذاهب ما وراء الطبيعة تضيف ولا تحذف.
تضيف وسائل البحث الفكري إلى وسائل التجربة الحسية، ولا تحذف من برنامجها وسيلة علمية أو واقعية يستعان بها على المعرفة.
فبدلا من شعار «هذا أو ذاك» تتخذ لها شعارا جامعا لهذا وذاك وزيادة، ومن هذه الزيادة حسبان الإلهام والبداهة من وسائل المعرفة عند طائفة من فلاسفة «ما وراء الطبيعة» في العصر الحديث.
فمعظم المدارس العقلية في القرن العشرين تدخل العلم في تقديرها وترجع إلى شعبة من شعبه في تأسيس دعائمها، ومنها علم النفس وعلم الطبيعة ومذهب النشوء والارتقاء في حدوده العلمية.
فمن المذاهب التي ترجع إلى علم النفس مذهب «الظواهرية» نسبة إلى ظواهر الطبيعة (Phenomenology) .
ومن المذاهب التي ترجع إلى علم الطبيعة مذهب الزمانية المكانية (Space time reality) .
ومن المذاهب التي ترجع إلى مذهب النشوء والارتقاء مذهب التطور والانبثاق (Emergnet Evolution) .
صفحة غير معروفة