وتقول السيدة: «أنت أجنبي كما ترى، ومما يحدث أحيانا أن أدع عشاقي بباريس يضنون خمسة عشر يوما، ولكنني أهب نفسي لك منذ الليلة الأولى، فمن الواجب أن أبيض وجه بلدي بإكرام شاب من فستفالية.»
وإذ أبصرت الحسناء ألماستين عظيمتين في يدي شابها الأجنبي، فإنها بلغت من امتداحهما بإخلاص ما انتقلتا معه من إصبعي كنديد إلى إصبعي المركيزة.
ولما عاد كنديد مع الكاهن البريغوري، شعر بندم على عدم وفائه للآنسة كونيغوند، ويشاطره السيد الكاهن كربه، ولا غرو فهو لم ينل غير نصيب ضئيل من الخمسين ألف فرنك، التي خسرها كنديد في القمار، ومن قيمة الألماستين اللتين أخذتا منه نصف هبة ونصف اغتصاب، وكانت خطته تقوم على استفادته - ما أمكنه - من العوائد التي قد ينالها بسبب معرفته لكنديد، وقد تحدثا كثيرا عن كونيغوند، وقد قال له كنديد إنه سيطلب من هذه الحسناء عندما يراها في البندقية، أن تغفر له عدم وفائه.
وضاعف البريغوري أدبه وانتباهه، وأقبل إقبال حنو على كل ما يقول كنديد، وما يفعل، وما يريد أن يفعل.
ويقول: «إذن، أنت على موعد في البندقية يا سيدي؟»
ويقول كنديد: «أجل، يا سيدي الكاهن، وعلي أن أسافر حتما لألقى الآنسة كونيغوند.» وبما أنه استحوذ عليه حب الحديث عمن يحب، فقد قص - وفق عادته - قسما من مغامراته مع هذه الفستفالية الباهرة.
ويقول الكاهن: «أظن أن الآنسة كونيغوند نبيهة جدا، وأنها تكتب رسائل فتانة.»
ويقول كنديد: «لم أتلق أية واحدة منها، فاعلم أنني طردت من القصر بسبب حبي لها، فلم أستطع أن أكتب إليها، وأنني لم ألبث أن خبرت بموتها، ثم وجدتها ثانية، ثم أضعتها، ثم أرسلت إليها رسولا في بلد يبعد من هنا 2500 فرسخ، فأنتظر جوابه.»
وكان الكاهن ينصت بدقة، ويبدو شارد الفكر قليلا، وهو لم يلبث أن استأذن الغريبين في الانصراف بعد أن عانقهما برقة، فلما أفاق كنديد صباحا تناول الكتاب الآتي:
سيدي العاشق الأعز، مضت ثمانية أيام على مرضي في هذه المدينة، وقد علمت أنك فيها، وقد كنت أطير إلى ذراعيك، لو كنت قادرة على الانتقال، وقد أنبئت بمرورك من بوردو، حيث تركت المخلص ككنبو والعجوز، اللذين سيلحقان بي سريعا، وقد أخذ حاكم بوينوس أيرس كل شيء، ولكن بقي لي قلبك. تعال، فحضورك يعيد إلي الحياة، أو يميتني قريرة العين.
صفحة غير معروفة