56

5

جميع المقامرات بضعف ما لعب به أول مرة، أي: جميع ما يثني به كل مقامر من أوراقه، فتعيد الثنيات بدقة وثيقة، ولكن مؤدبة، خشية افتقاد زبنها، وكانت هذه السيدة تسمى مركيزة بارولينياك، وكانت لها ابنة بالغة من العمر خمس عشرة سنة، وكانت هذه الابنة بين المقامرين، فتخبر بطرفة عين عن مخادعات هؤلاء المساكين الذين يحاولون إصلاح قسوة الطالع، ويدخل الكاهن وكنديد ومارتن فلم ينهض أحد، ولم يحيهم أحد، ولم ينظر إليهم أحد، فالجميع كانوا يفكرون في أوراق لعبهم، ويقول كنديد: إن سيدتي بارونة ثندر تن ترنك كانت أكثر تهذيبا.

ومع ذلك فإن الكاهن يدنو من أذن المركيزة، فتنهض نصف نهضة، وتكرم كنديد بابتسامة لطيفة، كما تكرم مارتن بهزة رأس أصيلة، وتقدم إلى كنديد مقعدا ولعبة أوراق، فيخسر خمسين ألف فرنك في جولتين، وبعد ذلك يتناول العشاء بمرح، ويدهش الحضور من كون كنديد لم يزعج بخساره، وكان الخدم يقولون فيما بينهم: «لا بد من أن يكون هذا لوردا إنكليزيا.»

وكان العشاء مماثلا لمعظم أعشية باريس، فمن صمت في البداءة إلى كلام صاخب، لا يماز بعضه من بعض، ثم إلى فكاهات تافهة في الغالب، فإلى حوادث كاذبة، فإلى تعقلات رديئة، فإلى قليل من السياسة، فإلى كثير من الغيبة، حتى إن الحديث دار حول الكتب الجديدة.

ويقول الكاهن البريغوري: «هل اطلعتم على الرواية التي وضعها الدكتور في اللاهوت السيد غوشا؟»

6

فيجيب أحد المدعوين: «أجل، ولكني لم أستطع إتمامها، ولدينا طائفة من الكتب المخالفة للأدب، ولكنها كلها لا تداني مجون الدكتور في اللاهوت غوشا، وقد بلغت من التخم بهذا الفيض البغيض من الكتب التي تغمرنا ما ملت معه إلى الميسر (الفرعونية).»

ويقول الكاهن: «وما تقول عن «كشكول» رئيس الشمامسة تروبله؟»

7

فتقول مدام دوبارولنياك: «آه! يا له من مخلوق ممل! يا لذكره لكم أمورا على أنها من الطرائف، مع أن جميع الناس يعرفونها! يا لثقل نقاشه في أمر لا يستحق سوى ملاحظة خفيفة! يا لانتحاله - بلا روح - روح الآخرين! يا لإفساده ما يسلبه! يا لاشمئزازي منه! بيد أنه عاد لا يثير نفوري، فيكفي أن يقرأ بضع صفحات من رئيس الشمامسة.»

صفحة غير معروفة